اعتقد انه من الضروري جدًا قبل البدء بأي شيء توضيح ما هو المنهج العلمي ؟ وما هي الخطوات التي يقوم بها العلماء والباحثين من أجل الحصول على نظرية علمية او قانون علمي ما ؟

هنالك مجموعة من الخطوات التي تبعها العلماء بدقة وحدة بعد اخرى للتثبت من الحقائق التي يستنتجونها من الملاحظات ومجموع هذهِ الخطوات هو ما نسمية (بالمنهج العلمي), ولكننا هنا سنختصر كل تلك الخطوات والطرق العديدة التي يستخدمها العلماء في ثلاث خطوات رئيسية تمثل مجمل العملية العلمية.

تبدأ كل نظرية علمية في مجال العلوم الطبيعية بوضع “الفرضيات” ويستثنى منها بالطبع العلوم الانسانية فهي تسلك سلوك مغاير في طريقة البحث العلمي وقد ذهب بعض العلماء والفلاسفة الى تسمية بعض العلوم الانسانية مثل علم الاجتماع بالعلوم الزائفة ولن نخوض في هذا الامر بالطبع, كما ذكرت سابقا تبدأ كل نظرية علمية بمجموعة من “الفرضيات” التي تتنبىء بمجموعة من السلوكيات لحالة ما موجودة في الطبيعة. ولناخذ مثلا قانون نيوتن للجاذبية لتوضيح هذهِ الخطوات, كان أسحاق نيوتن يلاحظ دائما ان الاشياء تسقط دوما نحو الارض, كل شيء حولهُ يفعل نفس الشيء يسقط دوما نحو الارض بدأ من التفاحة التي تسقط من الشجرة الى الحجر الذي يُرمى فيأخذ مسارًا منحني في سقوطهِ نحو الارض ثم اكثر من ذلك ان الارض تمسك بالقمر رغم المسافة الكبيرة بينهما. وبناء على المعلومات السابقة قام بوضع  فرضية وهي ان هنالك “قوة خفية” لا نستطيع رؤيتها هي التي تقوم بذلك تجعل الاشياء تسقط دومًا على الارض ومهمتهُ معرفة هذهِ القوة ؟

ثم تنتقل الى المرحلة الثانية وهي مرحلة فحص صحة هذهِ الفرضيات العلمية عن طريق الملاحظات والاستنتاجات التي يجمعها العلماء او عن طريق اجراء التجارب المختبرية للتاكد من صحة الفرضيات التي تشتمل عليها النظرية, فاذا كانت نتيجة الفحص الدقيق لكل فرضيات النظرية صحيح وتوافق الملاحظات والاستنتاجات التي حصلوا عليها تنتقل الفرضيات العلمية الى صيغة نظرية علمية حقيقة تفسر مجموعة من الاشياء ضمن تفسير او قانون علمي معين, اما اذا كانت نتائج الفحص للملاحظات لا توافق تلك الفرضيات فيعمل العلماء على التاكد من صحة الملاحظات ثم يقومون باجراء التعديلات اللازمة التي تتضمنها تلك الفرضيات العلمية ولنأخذ مثال على ذلك كانت النظرة السائدة في القرن الخامس عشر ان الارض هي مركز الكون وان القمر والشمس والخمس كواكب المعروفة أنذاك تدور حول الارض في مدارات ثابتة وايضا هنالك مدار خاص للنجوم. كان أرسطو قبل ذلك من المؤيدين لهذهِ النظرية التي تقول بمركزية الارض وقد بُنيت هذهِ النظرية بناء على الملاحظات التي يحصل عليها العلماء فهم يرون ان الارض ثابتة وان الشمس والقمر يظهران ويختفيان بالتعاقب وان النجوم تحيط بنا من كل جانب فلا بد ان نكون نحن مركز الكون!

عارض كوبرنيكوس هذهِ النظرية وقال بمركزية الشمس وان الارض ما هي الا كوكب يدور حول الشمس كبقية الكواكب ولكنهُ لم يمتلك الدليل العلمي ليثبت صحة فرضيتة العلمية الى ان جاء جاليلو جاليلي ونظر بمنظاره لاول مرة الى السماء ووجد ان هنالك ثلاث توابع او اقمار تدور حول المشتري لذلك اعلن انه ليس بالضرورة ان يدور كل شيء حول الارض وان الارض ليست مركز الكون وانما الشمس ثم توالت الملاحظات التي تؤكد صحة هذهِ الفرضية التي اصبحت الان نظرية علمية موثوق بها ان الشمس هي مركز مجوعتنا الشمسية.

وبالعودة الى قانون نيوتن ومن الملاحظات التي اكتشفها ان كل شيء يسقط نحو الارض حتى القمر يسقط دائما نحو الارض بسقوط حر افرتض وجود قوة خفية ومن صفات هذهِ القوة انها متأصلة في المواد اي ان كل مادة موجودة في الطبيعة تؤثر على الاخر بقوة تجعلها تنجذب اليها فليست الارض وحدها التي تجذب التفاحة بل حتى التفاحة تجذب الارض نحوها ولكن وجد ان هذهِ القوة تتناسب مع كتلة الجسم فالجسم الاكبر يمتلك قوة اكبر لجذب الاشياء فما دامت الارض تمتلك كتلة اكبر من جميع الاشياء الاخرى فأن القوة التي تؤثر بها اكبر بكثير من بقية الاشياء بالاضافة الى المسافة بين الجسمين المتجاذبين فلكما زادت المسافة بينهما قلت قوة الجاذبية فوضع (قانون الجذب العام) او قانون الجاذبية الذي ينص على “ان كل جسمين موجودين في الطبيعة يؤثر احدهما على الاخر بقوة تتناسب طرديا مع حاصل ضرب كتلتيهما عكسيًا مع مربع المسافة بينهما”. وبذلك تحولت فرضية وجود قوة خفية مع الملاحظات التي قام بجمعها نيوتن الى قانون فيزيائي ونظرية علمية مثبتة بالدليل.

ولا بد أن نوضح هنا أن هنالك التباس في فهم مفهوم النظرية العلمية فهي كما وصفنها اعلاه بأختصار شديد جدًا, الا ان عامة الناس تطلق لفظة “النظرية” دلالة على الشيء غير المثبت علميا أو الاعتقاد وهو ما يسميهِ العلماء “بالفرضية” فهنالك فرق بين الفرضية التي لم تثبت صحتها بعد علميا وبين “النظرية” التي هي شيء مثبت علميا بالادلة, فمثلا دائما ما يطلق على “نظرية التطور” على انها مجرد نظرية! اي ان ليس لها اي دليل من الصحة ولكن في الحقيقة أن نظرية التطور مثبتة علميا وهي موضع جدل منذ مئات السنين لما تناقشة من مواضيع متعلقة بأصل المخلوقات.

 

ملاحظة أخيرة يجب ان نوضحها في معرض كلامنا على المنهج العلمي, وهي ان النظرية العلمية يجب ان تمتلك “قابلية الدحض” متأصلة فيها اي يمكن ان ندحضها في حال توفر ادلة علمية او ملاحظات تؤكد ذلك واذا لم تمتلك النظرية هذهِ القابلية للدحض فلا يمكن تسميتها بالنظرية العلمية. يقول الفيلسوف كارل بوبر عن قابلية الحدض بأنها ((قابلية الاختبار المتأصلة لاي فرضية علمية)) , لذلك فأن لاي فرضية ما ولكي تمتلك مستوى من المصداقية يجب ان تمتلك قابلية الحدض في اصلها. فكل النظريات العلمية يمكن ان ندحضها في حال توفر عدد كافي من الادلة التي تؤكد خطأ هذهِ النظرية بالكامل او عجز عن تفسير جزء ما من الطبيعة وهذا ما حدث مع نظرية نيوتن فقد جاءت نظرية أينشاتين للجاذبية لتكون النظرية الاكثر شمولية من نظرية نيوتن للجاذبية التي لا تزال تستخدم لبعض التطبيقات في حياتنا العملية.

لا توجد تعليقات على “المنهج العلمي”