الكثير من النقد والتنظير واللقاءات ركزت على سؤال جوهري مفاده:
ماهي فائدة وزارة التعليم العالي غير تخريج أفواج من الطلاب بمختلف الاختصاصات والشهادات (أولية وعليا) وهل للتعليم العالي بحث علمي ممكن ان يفيد المجتمع ويطور من واقع مؤسسات ووزارات الدولة؟
حقيقة أنا ايضا شاركت بهذا الحوار بأكثر من مرة وشخصت عدة نقاط ممكن العمل عليها لردم فجوة كبيرة بين ما يُنتج من بحث علمي في الجامعات العراقية سواء كان هذا البحث العلمي متمثلا باطاريح ورسائل وبحوث ترقية ومشاريع تخرج وبين متطلبات حقيقية وواقعية لسوق العمل والقطاع الحكومي وحتى الحاجات المجتمعية.
انقسم المراقبين بشكل عام الى فئتين رئيسية:
أولًا: الناقمين جدا على الوضع العام ودائما ما يرددون ان جامعاتنا فاشلة وتعليمنا فاشل كما نادى بعض المتظاهرين عند الاحتجاجات الأخيرة ولاخير في بحوث منشورة في مجلات مفترسة وسطور مملوءة بالعلوم الزائفة وبراءات اختراع مضحكة ومشاريع تخرج استنساخ لا يتم إعارة اي انتباه لها وهي أصبحت بالآلاف لا تساوي الورق المصروف عليها إذا اردنا تقييمها.
ثانيا: القائمين على بعض المؤسسات الأكاديمية سواء كانت الجامعات او معاهد حكومية وأهلية انساقت بشكل جارف حول صنع بعض الإنجازات مثل التصنيفات وعدد البحوث المنشورة وبدت تتفاخر بمنجز بحثي يمكن الإشارة به من خلال مسابقات تقيمها التعليم العالي مثل يوم العلم والجوائز الأخرى … وهذا للمراقبين يضع العراق أفضل من بعض دول المنطقة من حيث المنجز البحثي.
من خلال تراسي لقسم المشاريع الريادية وتصميمي لنظام إلكتروني متكامل تم تطبيقه لإدارة مسابقة يوم العلم وجدت ان كل من الفئتين أعلاه له جزء من الواقع وجزء اخر مبالغ فيه بطريقة مزعجة.
مثلا لدي احصائيات عن بحوث علمية اعتقد مؤلفوها انها ممكن ان تحصل على جائزة على مستوى العراق وهي منشورة بدور نشر مزيفة او مجلات هندية مختطفة او مفترسة همها الأساسي الربح التجاري من دون تقييم من قبل مختصين او ما يعرف بمراجعة الأقران peer-reviewed Journals
ولكن ايضا يوجد بحوث يشار لها بالبنان ومفخرة بحق، منشورة في دور نشر ومجلات تعتبر الأولى على مستوى التصنيف العالمي مثل nature و science وأمثالهما.
تم حجب المنتجات التي لا تخضع للمعايير وتم تكريم البحوث التي أنالت إعجاب المقيمين ضمن معايير وتدقيق إلكتروني تم زرعه برمجيًا بالنظام وسار يوم العلم الماضي على أفضل وجه بشهادة المراقبين, لكن لم ينتهي الأمر بالنسبة لي.
كان هناك حلم يراودني ان ننقل الأبحاث والرسائل والاطاريح ومشاريع التخرج التي تنتج بالجامعات العراقية وهي بالآلاف سنويا الى مستوى اخر يكون فيها ناتجها الإيجابي منعكس على مؤسسات الدولة والقطاع الخاص بشكل تعم فيه الفائدة للطرفين للباحثين وللجهات المستفيدة ولكن كيف وماهي المعايير وكيف نجمع البيانات لتكون مقروءة بشكل مفهوم لتلك الجهات المستفيدة …
فبدأت بعد التوكل على الله وباستشارة من اثق برأيه بوضع التصاميم الأساسية لنظام إلكتروني يجمع بين التعليم العالي والبحث العلمي وبقية الوزارات والمؤسسات والقطاع الخاص ليتم اطلاعهم على تلك المقترحات التي يمكن لها ان تحل بعض المشاكل او تطور واقعًا من خلال منصة إلكترونية اسميتها” منصة البحوث التطبيقية” مشروع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لربط مؤسسات ووزارات الدولة بحثيا …. أكملت النسخة الأولى من التصميم والتنفيذ وتم اجراء الآتي :
١- تم إطلاق المنصة بشكل تجريبي للجامعات الحكومية من خلال ورشة عمل مكثفة تم استضافة كل مدراء الشؤون العلمية في الجامعات العراقية كافة وتم اعطائهم اسماء ورموز مرور لغرض املاء البيانات الخاصة بالبحوث متضمنة بعض الحقول التي تدل على إمكانية استفادة جهة ما سواء كانت وزارة او قطاع خاص من هذا المقترح البحثي … كانت الحقول تراعي الموازنة التالية: لا إطناب ممل ولا ايجاز مخل بل حالة بينهما اي تقتصر على البيانات المهمة التي يمكن للمطلع ان يعرف قيمة ذلك المقترح ببساطة.
٢- تم مراقبة دخول الجامعات بعدد مرات الدخول وأوقاتها لتقييم استجابة الجامعات لعرض منتجاتها البحثية بشكل تطبيقي يمكن لأي جهة تبنيه وتمويله ( اختبار صعب لم تتعود عليه الجامعات سابقًا)
٣ – تم الاجتماع مع الكليات الاهلية في كلية دجلة قبل الحظر بأيام قليلة وكانت استجابة الكليات الاهلية ضعيفة للأسف بسبب الظروف السياسية والاحتجاجات آنذاك
بعد الانتهاء المرحلة الأولى من ادخال البيانات الذي يقتصر الان على مدراء الشؤون العلمية بالجامعات سيتم الاجتماع مع الوزارت والقطاع الخاص لغرض تزويدهم باسماء ورموز مرور ليتم اطلاعهم على مقترحات البحوث المختلفة.
وبالمرحلة اللاحقة حسب التصميم الموضوع ستتغير آلية ادخال البيانات حسب تقييم المرحلة الأولى
برأيي المتواضع هذا مشروع دولة وليست وزارة ان نقيم بحوثنا التطبيقية ومدى صلاحيتها واقعيا لمعالجة بعض الخلل او لتطوير بعض القطاعات وأيضا اختبار لمؤسسات الدولة لغرض قياس مدى استجابتها لتبني افكار الباحثين العراقيين وعدم اللجوء الى حلول تجارية قد يضيع بها الكثير من المال الى خارج العراق.
المنصة ستفرز ارقام وإحصائيات تعطينا صورة واقعية عن البحث العلمي بالعراق وعن مستوى ما ننتج من رسائل واطاريح وبحوث ومشاريع تخرج.
أتمنى من كل قلبي دعم هذا المشروع الوليد وان تصل الفكرة لرئاسة مجلس الوزراء لان مخرجات المنصة ستكون محتوى دسم للنقاش المثمر بين الوزارات والمؤسسات والقطاع الخاص.