سيميائية العنوان في ديوان يشرق بالحنين للشاعر عصام السعدي

الملخص :-

ان للعنوان أهمية كبيرة في فهم النص، حيث كل عنوان لديه علاقة مع نصه وعلاقة مع قارئه لذلك نال – العنوان – اهتمامها كبيرا من لدن اللغويين والسيمائيين، ويسعي هذا البحث الي تتبع الدلالة السيمائية للعنوان في مجموعة ديوان “يشرق الحنين” للشاعر (عصام السعدي)، ان اختيار الشاعر لهذا العنوان غير عشوائي بل هو المسئول عنه وقف ضوابط وقواعد توافقت مع طبيعة النص، والعنوان لم يعد مجرد عامل وسم تفرق بين المتون بل أصبح نصا مستقبلا بوظائف تمنح له حق الوجود وشعرية القراءة وفك الرموز.

المقدمة :-

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم وبعد:

يعد العنوان نظاماً سيميائيا ذا أبعاد دلالية، وأخرى رمزية تغري الباحث بتتبع دلالاته، ومحاولة فك شيفرته الرامزة، ومن هنا فقد أولى البحث السيميائي جل عنايته لدراسة العنوانات في النص الأدبي. وقد ظهرت بحوث ودراسات السانية سيميائية كثيرة خصصت جزءا كبيرا منها لدراسة العنوان وتحليله من عدة نواح تركيبية ودلالية وتداولية، وأية ذلك أن العنوان هو أول عتبة يمكن أن يطأها الباحث السيميائي قصد استنطاقها واستقرائها بصريا ولسنيا، وأفقيا  وعموديا. وعلى الرغم من أن العنوان قد حظي بكثير من الاهتمام لدى النقاد الغربيين. (بسام قطوس، ٣٣)

اهتمت السيميائيات الحديثة بدراسة الإطار الذي يحيط بالنص كالعنوان والإهداء والرسومات التوضيحية وافتتاحيات الفصول وغير ذلك من النصوص التي أطلق عليها النصوص الموازية) والتي تقوم عليها بنايات النص فلكل بناء مدخل ولكل عتبة هيئة فالعتبات همسات البداية.

يدخل العنوان والرواية في علاقة تكاملية وترابطية الأول يعلن والثاني يفسر يفصل ملفوظا مبرمجا الى درجة إعادة إنتاج أحيانا وفي الخاتمة عنوانه لكلمة في النهاية ومفتاح نصه. (رشيد بن مالك، ١٦٢) 

ان القراءة السيميائية لا تلغي القراءات السابقة عليها، وإن كانت تفيد منها وتحتويها، فهي بتركيزها على قراءة أعماق الذال، بحثا عن الأنظمة الدلالية للشفرات والعلامات وطرق إنتاج المعنى، لتفتح المجال واسعا لفعالية القراءة، وحفز الطاقة التخيلية لدى القارئ، ليشارك بفكره وثقافته في إبداع النص من خلال كشف مخبونه، وتفتيق دلالات. ) بسام فطوس، ٢٤) 

و في هذه الدراسة، ركزنا على العنوان”، ما دام هو بمثابة الرأس للجسد، فالعناوين ذات وظائف رمزية مشفرة و مسننة بنظام علاماتي، دال على عالم من الحالات. 

مشكلة البحث :-

هذا البحث يجيب عن التساؤلات الآتية :-

١-ما المقصود بسيمائية العنوان؟ 

٢-ما هي الآليات المتخذة لمقاربة العنوان؟ 

منهج البحث :-

تم الاعتماد على المنهج السينمائي على فك شفرات العناوين وتفجير دلالتها واستنباط جمالياتها إلى جانب التحليل الادبي الوصفي وهي طريقة تستخدم من خلال وصف الحقائق.

هيكل البحث :-

انقسم البحث الي فصلين :-

الفصل الأول بعنوان السيمائية والعنونة واحتوي على ثلاث أقسام :-

الأول حول السيمائية 

الثاني حول العنوان 

الثالث حول سيمائية العنوان

الفصل الثاني بعنوان سيمائية العنوان في ديوان “يشرق الحنين” واحتوي على ثلاث أقسام :-

الأول الدلالات الكامنة خلف عنوان الديوان 

الثاني التعريف بالشاعر وأهم اعماله. 

الثالث النتائج

أهم المصادر والمراجع :-

اعتمد البحث على جملة من المصادر كان من اهمها :كتاب ديوان “يشرق الحنين” وكتاب “سيمائية العنوان” لبسام قطوس.                       

                                           الفصل الأول

السيمائية :-

أثارت العلامات الإنسان منذ القديم، وحاول تفسيرها وتأويلها بطرق مختلفة، وعبر تاريخ الحضارات استطاعت العلامات على اختلاف مصدرها أن تشكل بحضورها ترميزا خاصا بكل ما تعلق بالإنسان في جوانبه الدينية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وبدخول القرن العشرين دخلت العلامات مرحلة جديدة ومختلفة اتسمت بالعلمية، فظهر ما عرف بالسيمياء (السيميولوجيا “Semiologie) أو علم العلامة، والسيمياء في اللغة مشتقة من السمة والسومة، والسيمة والسماء، والسيمياء العلامة وسم الفرس جعل عليه السيمة ……

وعبر الأصل اللغوي للمصطلح يتقابل ومفهومه الاصطلاحي رغم اختلاف الاتجاهات السيميائية واختلاف تقديم هذا العلم بين القديم والحديث، وستحاول تقديم اجمالا مفهوم هذا العلم في العصر الحديث حسب توجهات منظريه، فالسيمياء هي العلم الذي يدرس العلامة أيا كان مصدرها ، وهو كما تصوّره بيير جيرو ” علم يهتم بدراسة أنظمة العلامات: اللغات، وأنظمة الإشارات والتعليمات … وهذا التحديد يجعل اللغة جزءا من السيمياء.(هند عباس، ٢٠١٧، ٨) 

فعرف ابن خلدون في مقدمته مصطلح السيمياء فجعله مقابلا ودلاليا لعلم أسرار الحروف وذلك في قوله: وهو المسمى لهذا العهد بالسيمياء، نقل وضعه من الطلمسات إلى اصطلاح أهل التصرف من المتصوفة فاستعمل استعمال العام في الخاص… فجرت إلى ذلك علم أسرار الحروف وهو من تفاريغ علم السيمياء، لا يوقف موضوعه ولا تحاط بالعدد. مسائله .(عليمة هنوس، رحمة شراقة، ٢٠٢٠، ٤) 

. لقد شكلت كل هذه الاتجاهات السيميائية روافد أصيلة لبناء (قراءة قراءات) سيميائية ليس للأدب فحسب، بل لقراءة أنظمة علامية وإشارية أخرى. فبالإضافة إلى قراءة الأدب شعراً ورواية ومسرحا، والفن، رسما وموسيقى وسينما، فقد دخلت دائرة النقد الأدبي واصلت لقراءة الخطابات الفلسفية والدينية والفكرية. وقد امتازت الدراسات السيميائية للأدب بحرصها على فهم العلاقة الأدبية في مستوى العلاقة الجدلية بين النص الأدبي والمجالات الثقافية والأيديولوجية ببنيتها الاقتصادية والاجتماعية، وفي مستوى النص الأدبي نفسه.(بسام فطوس، ٢٣) 

العنوان :-

العنوان لغة : مع يقع الباحث على مادتين في لسان العرب ربما كان لهما أسن العلاقة . العنوان أولاهما : (عنا)، والثانية (عنن). ونبدأ باستقصاء معاني عنا، فماذا نجد؟

1 – مادة (عنا) في اللسان حملت عدة معان : الظهور، ويقال: عنت الأرض بالنبات تعنو غلوا وتعني أيضا وأعنته: أظهرته وعنا النبت يعنو إذا ظهر. الخروج: عنوت الشيء: أخرجته، قال ذو الرمة ولم يبق بالخلصاء، مما عنت به من الرطب، إلا يَبْسُها وهجيرُها القصد يقال عنيت فلانا عليا أي قصدته. ومن تعني بقولك أي من تقصد. ومنه قولهم: إياك أعني واسمعي يا جارة. الإرادة: يقال عنيت بالقول كذا أردت ومعنى كل كلام ومعناته ومعنيته مقصده، والاسم العناء. وهذه ترتد إلى القصد في الرقم (۳). ه الوسم أو السمة أو العلامة. قال ابن سيدة وفي جبهته عنوان من كثرة السجود أي أثر ؛ حكاه اللحياني ؛ وأنشد: و أشمط عنوان به من سجوده كركبة عنز من عنوز بني نصر 

وعنوان الكتاب: مشتق فيما ذكروا من المعنى، وفيه لغات: عنونت وعنيت وعننت. وقال الأخفش : عنوتُ الكتاب واعله؛ وأنشد يونس قطن الكتاب إذا أردت جوابه واعن الكتاب لكي يُمر ويكتما قال ابن سيدة: العُنْوانُ والعنوان سمة الكتاب. وعَدُونَهُ عَنْونة وعنوانها.(بسام قطوس، ٢٨)

و المتفق عليه أن ” العنوان مرتبط ارتباطاً عضويًا بالنص الذي يعنونه، فيكمله ولا يختلف معه و يعكسه بأمانة و دقة ، فهو ما وضع على رأس النص إلا ليعرفه و ينوب عنه ، فكأنما هو ” نص صغير يتعامل مع نص كبير قد قام المبدع باختزال مدلولات تصل في الأخير بعد كل ما ورد من تعاريف للعنوان إلى نتيجة مفادها أن العنوان علامة لغوية تعلو النص لتسمه و تحدّده و تغري القارئ بقراءته، فلولا العناوين لظلت كثير من الكتب مكدسة في رفوف المكاتب، فكم من كتاب كان عنوانه سببا في ذيوعه وانتشاره، وشهرة صاحبه، و كم من كتاب كان عنوانه وبالاً عليه و على صاحبه.) عبدالقادر رحيم، ٢٠٠٤،٢٥) 

سيمائية العنوان :-

فالعنوان في رأي “كوهن يرتبط بالنثر أكثر منه في الشعر فقد يكون مطلع القصيدة عنوانا ..

إن العناوين هي عبارة عن أنظمة دلالية سيميولوجية تحمل في طياتها قيما أخلاقية اجتماعية إيديولوجية، لذلك كانت العنونة هي أولى المراحل التي يقف لديها الباحث السيميولوجي لتأملها واستنطاقها قصد استكشاف بنياتها ومنطوقاتها الدلالية.

إن العناوين إذن عبارة عن علامات سيميوطيقية تقوم بوظيفة الاحتواء لمدلول النص كما تؤدي وظيفة تناصية، فالعنوان يحيل إلى نص خارجي يتناسل مع النص الأساسي فيتلاحقان شكلا وفكرا وهو إلى جانب ذلك يمثل قصد المرسل الذي يؤسس أولا لعلاقة العنوان بخارجه سواء كان هذا الخارج واقعا اجتماعيا عاما أو سيكولوجيا وثانيا لعلاقة العنوان بالعمل الإبداعي.

وعلى الصعيد النسقي يمكن القول بأن العنوان يدل بمظهره اللغوي من الصوت إلى الدلالة على وضعية لغوية شديدة الافتقار من جهة السياق الذي يرد فيه، وهو من جهة ثانية لا يتجاوز حدود الجملة إلا نادرا وغالبا ما يكون كلمة أو شبه جملة، وبالرغم من هذا الافتقار اللغوي فإنه ينجح في إقامة اتصال بين المرسل والمستقبل.

نلاحظ مما سبق أن العلاقة بين العنوان والنص علاقة وطيدة كل واحد منهما يكمل الآخر، فلا يفهم العنوان إلا إذا تأملنا في ثنايا النص ولا يفهم النص في حال غياب العنوان ويستعصى علينا استقراءه إلا من خلال العودة للعنوان. 

لم يكن اهتمام السيمياء بالعنوان اعتباطيا ولا من قبيل الصدفة بل لكونه ضرورة كتابية

جعلت منه مصطلحا إجرائيا ناجحا في مقاربة النص الأدبي ومفتاحا أساسيا يتسلح به ،المحلل للولوج إلى أغوار النص العميقة قصد استنطاقها وتأويلها، وقد أولت السيميوطيقا أهمية كبرى للعنوان وبالتالي يستطيع العنوان أن يقوم بتفكيك النص من أجل تركيبه وذلك استكشاف بنياته الدلالية والرمزية، وأن يضيء لنا في بداية الأمر ما أشكل من النص عبر وغمض. 

فالعنوان إذا مفتاح تقني يحبس به السيميولوجيا نبض النص ويقيس به تجاء

ويستكشف ترسباته البنيوية وتضاريسه التركيبية.) بسام فطوس، ٣٣) 

                                             الفصل الثالث

سيمائية العنوان في ديوان “يشرق الحنين” 

يبدأ السعدي مجموعته، كما يليق بابن باز بوالده وبتراث أمته إلى من بقمحه وشعره ستبني مرتين… أبي ، هكذا يستهل السعدي كتابه إهداء إلى أبيه، وحزمة أبيات

 أبي الذي 

من شباك غرفته

 انتبهت

 إلى حدائق الخيال

 هز لي ريحان غرتها

 وعباني سلالا

 من سؤال..(عصام السعدي، ٢)

 هكذا أطلق الطير الأب عصفوره الصغير في فلوات الحرية غير منجز بيقين، كي يمارس هو خيار حياته والأسئلة وأخطار الوجود والسهام سقطت على شفرة الوقت عمراً وكنت رأيت الطيور تناوش روحك

سهما فسهماً .وحين يكاد الصغير يهلك وهو يغص بأسئلة الوجود ويشرق بالحنين للمرأة الممنوعة والمتمنعة فيغض ولا يجرؤ على فض حلاوتها.. يجيء الخلاص من مفتتح السماء على هيئة قصيدة امرأة مدججة بالأسئلة وبالتحريض أن اقرأ :

 فخرجت من غاري 

تزقلني رؤاي 

وجنيت من شجري

 ثمار الصمت 

قذفت في قلمي

 صرير غوايتي

ليقول للأوراق 

 ما شاء المقال.(عصام السعدي، ٦)

فهل سيتمكن السعدي من القول وهو يشرق بالحنين وربما وهو يغص كذلك بإثم النساء الغاويات والأسئلة؟!.والسعدي يطلق السؤال على مداه.. ولا يغلق بابه على جواب واحد.. فهذه الأسئلة والقول له: اختبارات دائمة للأرض التي أقف عليها لقياس صلابتها وصيانتها من التفسخ بفعل الركود والركون الاعتياد لعل هذا ما يجعلني في أختلف صداقة مع من صداقتي مع الذين أتفق معهم. وأسأل نفسي دائما أنا (هنا) أرى المشهد جميلا فلماذا لا أذهب إلى (هناك)، لعل المشهد يبدو أكثر جمالا، فإن لم يكن كذلك عدتُ إلى (هنا) بشوق المختار العارف لجوانب أكثر من المشهد كله . فهل يستكين الشاعر للأسئلة، أم سيظل يراوح على شفرات الملتبس

 ها هنا ذهب 

على زيد 

وها زبد على ذهب

 أنا بين الحقيقة والخيال .

فماذا سيجني من رحيق العمر من ما يزال 

وهل أَنتَ نصفُ عي

 تراوح ما بين خطةٍ كثيرٍ

 وبعض كلام . (عصام السعدي، ٧-٨)

وليس هناك في اليمبوس الفاصل بين الجنة والنار من خلاص سوى عذاب الأسئلة وربما عذاب القبر. 

في البدء 

كنت هنا 

وكنتُ على رصيفكِ مرةً شجراً 

وتسكنه الهداية والضلال.) عصام السعدي، ٩)

 فمن يهب الشاعر إيمان العجائز، وأين يجد القصيدة التي تُسكن روع القلب، حتى لو استحال ،حجراً لا له ولا عليه كما تمنى الفاروق ذات شك: 

عاشرت ما يكفي من الخيبات

 إيقاعاً بما تلد المسافة 

بين قافيتين 

طرتُ إلى براق الشعر

 ثم عَرَجْتُ عِندَ جداره .(عصام السعدي، ١١)

أم لعله سيكتفي من هزيمة العمر، أن يلملم أذيال الخيبة وهو يسير في جنازته متعثراً بثياب أمه باحثاً عن خلاص مستحيل في ماء الرحم الأول في الفردوس الأمومي المفقود، ورغم ذلك تبقى المرأة الأم، كما يقول في حوار آخر، عصية المنال: أنا حتى اليوم لم أستطع الكتابة عن أمي شعراء لفرط ما أحس به تجاهها من حب، ولعمق ما تركته في نفسي من أثر، ولظني أن الشعر لا يستوعب تفاصيل حياة امرأة، أي امرأة، فما بالك إن كانت أمي.. أتمنى أن أنجز هذا يوما ما :

 يا ماء أنت بدايتي

 في بحر أمي… أنت آخر من تمسدني يداه

يدسني رطباً مع الدمعات

في أنثى التراب

ماء يعود إلى التراب.(عصام السعدي، ١٤)

قسم السعدي قصائد المجموعة إلى أربعة عناوين، تتحدث عن الذات (في ما أخبئ في دمي ) ، وعن المرأة ( في البدء كنت هنا )، وعن أسئلة الكون والحياة والإنسان (في ماء يعود إلى التراب )، ثم المرثيات (في ظل من حياة ) . هذه العناوين والقصائد، يبدو وكأن السعدي قد اصطفاها لعوالم الشعر المجرد حيث انزياحات اللغة، وكمائن المعنى عند منعطفات الكلام، وحيث نار الأسئلة عن سر الوجود والعدم والماء والطين المرأة والقصيدة لكنه لا يلبث أن يغادر كل هذا عائداً إلينا! ربما هو لم يتركنا أصلا، ليحدثنا عن دم محمد الدرة:

 كان طفلا كما

 قد رأينا 

وصار

 كما قد رأينا جميعاً 

بقايا مزق .) عصام السعدي، ١٧)

وليكتب عن رحيل الشاعر المبدع حسين البرغوثي الذي قتله العدو السرطان، في 1 أيار 2002 وقبل سنتين من نصف عمره.. كان حسين يزحف ليصل إلى نهاية خط السباق القصير دون جدوى هل غضبت من الجريدة إذ نعتك وأنت حي أم إنه قدر الفلسطيني

تمرين لزوجتك الحزينة

 كيف تنظر في حذائك خالياً

من جوربين) عصام السعدي، ٢٠)

 وكذا ليشتعل شعره بالنار وهو يروي لنا كيف احترقت جدائل بغداد، وكيف احترق الرسام مصطفى الحلاج مع لوحاته في دمشق. ما يلفت في تجرية السعدي الشعرية أن القصيدة لديه تخرج مكتملة فنياً ومستوفية لشروط الإبداع، مما يؤشر لوجود ذائقة نقدية عالية وثقافة واسعة، ليس في حقل الشعر ،وحده، بل في جملة المعارف الإنسانية.. مما يجعل شعره يذهب إلى مستويات عليا إذا ما قيس بالراهن السائد من القصائد.

 إن اللغة هي لعبة الشاعر، كما التخييل هو لعبة الروائي، غير أن اللغة الشعرية ليست استباحة مجانية للتجريد السوريالي والتقافز فوق واقعية الحياة من أجل الإبهار، بل هي استخدام مبدع يشحن اللغة بطاقات استخدامية جديدة، ويعيد من خلالها توليد وعي أعلى لدى المتلقي. وما يصح على اللغة يصح على التراث بكل مكوناته وعناصره، فالعودة إلى هذا التراث ليست مجرد استخدام براني، بل هي جدل عميق مع هذا المشترك التراثي لدى الشاعر ولدى الناس لأنه يشكل حلقة أساسية وما يصح على اللغة يصح على التراث بكل مكوناته وعناصره، فالعودة إلى هذا التراث ليست مجرد استخدام براني، بل هي جدل عميق مع هذا المشترك التراثي لدى الشاعر ولدى الناس لأنه يشكل حلقة أساسية تربط الشاعر بجمهوره من خلال ارتباط الاثنين بالقاسم الذاتي المشترك، ومن ثم توظيف ذلك من أجل تجاوز هذا التراث بربطه بحلقات العصر وبآفاق المستقبل. إن الجمهور تراثي النزعة  وفي التراث كذلك قوة نستمدها كما يقول جبرا إبراهيم جبرا، لكن يجب أن نضيف إليها قوة جديدة، بحيث تكون الحداثة انطلاقا قوة جديدة، بحيث تكون الحداثة انطلاقا سهمياً لا دوراناً انكفائياً. والسعدي حين فعل ذلك كله فقد فعله بعفوية تغرف ببراءة من بئر الذات الأولى ليعبّر من خلالها عن هذا المشترك مع الناس: 

تعبت

فدع قميصي….. لست (عثماناً)

وما من كربلاء ككربلائي

تشتهي رأسي وترفعه

على رمح وتضحك

ثم تستسقي بأولادي الغمام 

وأنا تعبت … أنا تعبت

ولم أجد من إخوة حولي

 ولست أنا (الحسين) .(عصام السعدي، ٣٠) 

لعل أكثر ما يلفت في تجربة الشاعر على مستوى تقنيات الفن الشعري، قدرته على إيجاد صلة وصل حميمة مع تراث القصيدة العربية من حيث استخدامات الوصف والمجاز وبناء الصورة، وكذلك بالتواصل مع التراث الفراهيدي في الحرص على تتابع القوافي الداخلية رغم مغادرة قصائده لأبحر الخليل، ويكفي على سبيل المثال تأمل القوافي الداخلية في قصيدة امرأة الظل فسيجد القارئ في نهايات كل فقرة الكلمات التالية راكدة، الشاردة، الباردة واحدة، الخالدة، النافذة، لا فائدة، أن تشذ قافية واحدة.

وفي قصيدة ما كنت سر أبي تحضر في نهايات الأبيات الكلمات الصلصال، الجبال تلال، سؤال ،احتمال الرمال المقال، الخيال. أو قد تتعدد القافية كما في قصيدة كنت أنا ، حيث تحضر الكلمات الضلال، ظلال، النصال عقال النبال ثم ينتقل إلى: فخلعت اغتسلت استجرت، رأيت،

وحدة القافية في قصيدة التفعيلة تحقق انسجاماً موسيقياً في بناء القصيدة، وتحدث نوعا من المزج الحميم بين إيقاع القصيدة القديمة وبين الشعر الحديث، ويصير بإمكان صاحب الذائقة العربية المعتاد على مألوف وحدة القافية أن يتذوق بيسر الشعر الحديث. وهنا بالضبط يصبح التواصل الفني مع التراث الإبداعي للأمة سابقاً وسيلة للتواصل مع الناس الآن، فلا يتغرب الشعر وينأى نحو الصفوة والنخبة.

وأهم ما يمكن دراسته لفهم أي نص هو الفاظه التي استخدمها الشاعر : فالشاعر نوع في سمات الألفاظ ، فاختار منها السهلة الواضحة لإيصال فكرته للقارئ بسرعة قائلاً : “من شباك غرفتي “، وليشد المتلقي أكثر استخدم ألفاظاً قوية جزلة قائلاً : ” تناوشن روحك” وتوضيحاً لمشاعره وعواطفه جاء بألفاظ إيحائية تعبيرية قائلاً : “تحملني إلى أعلى رفوف الغيم” ، وليغني نصه كون حقلاً معجميّاً حول قضيته قائلاً “ضاربا في حفرة الصلصال “.ومن خلال الألفاظ نكون تراكيباً لها سمات عديدة برزت في النص ، فمنها التراكيب القصيرة التي تحمل طاقات شعورية وتؤدي المعنى بسرعة قائلاً : “ومر الزمان ”  ،وليجذب انتباه القارئ جعل بعض تراكيبه طويلة قائلاً : ” سقت على شفرة الوقت عمرا” ، وليجعل نصه متماسكاً استخدم التراكيب المترابطة المتينة قائلاً : “أنا في الليل عبد القصيدة” 

التعريف بالشاعر عصام السعدي وأهم اعماله :-

ولد الأديب والشاعر، والمهندس، عصام السعدي في الرابع والعشرين من كانون ثاني عام 1959، في قرية عرونة قضاء مدينة جنين، وحصل على البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من جامعة حلب عام 1984، لكن اهتماماته الإبداعية الأدبية كانت قد شقت طريقها في مرحلة الدراسة الإعدادية في مخيم اليرموك، في اعدادية المالكية التابعة للأونروا، فيما بدأ بنشر قصائده منذ عام ١٩٧٨ واستمر ذلك حتى اليوم. اصبح عضو رابطة الكتاب الأردنيين. وناشط نقابي في نقابة المهندسين، وقد ترأس اللجنة الثقافية في مُجمع النقابات المهنية ونقابة المهندسين في الأردن بين عامي 1998، و2004. وقد صدر له مجموعتان شعريتان، هما: “لأمي، للخيل، ولعينيها”، في بيروت عام 1982، و”يشرق بالحنين” عن دار أزمنة في عمان 2008. التي ترجمت إلى الفرنسية. وشارك في أكثر من أمسية، كان منها الأمسية التي أقامها متحف محمود درويش بمدينة رام الله، وقام الكاتب سامح خضر في حينها بتقديم الشاعر عصام السعدي، حيث قال إن حياة عصام السعدي هي مصدر شعره، صدر له مجموعتان لأمي للخيل ولعينيها (منشورات فلسطين الثورة، بيروت، 1982)، وحال اجتياح لبنان آنذاك دون أن تصل إلى أيدي القراء، مما يجعل مجموعته يشرق بالحنين دار ،أزمنة عمان، 2008، بمثابة مجموعته البكر.. فتجيء ناجزةً وناضجةً ومكتملة.

النتائج :-

١-استخدم الشاعر الصور والاستعارات، التي أدت إلى بروز الجانب الجمالي والفني في العناوين. 

٢ – اعتماد الديوان على العناوين الفرعية التي تساهم في قراءة العنوان الرئيسي وقراءة الديوان بصفة عامة.

٣-تعالقت العناوين مع المتن الكلي ( العناوين  الفرعية) والمتن الجزئي ( العنوان مع متن القصيدة ) .

٤-يكثر الشاعر من العناوين القصيرة والجمل الاسمية على الجمل الفعلية.

٥-استخدام المؤلف للتناص جعلنا نكتشف جماليات العنوان

المراجع:-

١-بسام فطوس. (2002). سيمائية العنوان. مطبعة البهجة.

٢-رشيد بن مالك – السيمائية بين النظرية والتطبيق مخطوط رسالة دكتوراه – جامعة تلمسان. 

٣-عليمة هنوس. رحمة شرافة. (2020).سيمائية العنوان في ديوان – تهمة المتنبي ل علاوة كوسة. رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير. 

٤-عبد القادر رحيم. (2004). سيمائية العنوان في شعر مصطفى محمد الغمارى. رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في الأدب. 

٥-هند عباس.(2017).سيمياء العنوان في المجموعة القصصية سكوت إني أحترق ” لآسيا رحاحلية. 

٦-عصام السعدي. ديوان يشرق الحنين. 

 

لا توجد تعليقات على “سيميائية العنوان في ديوان يشرق بالحنين للشاعر عصام السعدي”