دراسات فقهية

أثر شهادة المرأة في عقد النكاح عند فقهاء الحنفية

تأليف

محمد عبدالرحمن زيدان

محام بالاستئناف العالي ومجلس الدولة

ماجستير القانون العام والشريعة الإسلامية جامعة الأزهر

 

2023

 

 

 

 

مقدمة

حِينَمَا جَاءَتْ اَلشَّرِيعَةُ اَلْإِسْلَامِيَّةُ بِالْأَحْكَامِ اَلتَّشْرِيعِيَّةِ ، حَمَّلَتْ فِي طَيَّاتِهَا أَحْكَامًا تَشْرِيعِيَّةً تُغْنِي كَافَّةَ اَلنَّاسِ عَنْ اَلْحَاجَةِ إِلَى أَيِّ تَشْرِيعٍ آخَرَ سَوَاءً كَانَ سَمَاوِيًّا أَوْ وَضْعِيًّا ، غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ اَلدَّعَوَاتِ اَلَّتِي يُطْلِقُهَا اَلْبَعْضُ فِي اَلْوَقْتِ اَلْحَالِيِّ بِشَأْنِ مُسَاوَاةِ اَلْمَرْأَةِ بِالرَّجُلِ سِيَّمَا فِي نِصَابِ اَلشَّهَادَةِ ، خَاصَّةً فِي ظِلِّ اَلشُّبُهَاتِ اَلَّتِي سَاقَهَا اَلْبَعْضُ اَلْآخَرُ حَوْلَ مُعَامَلَةِ اَلْإِسْلَامِ لِلْمَرْأَةِ عَلَى اِعْتِبَارِ أَنَّهَا نَاقِصَةٌ عَقْل وَدِين مُسْتَنِدِينَ فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ فِكْرٍ إِلَى مَا جَاءَتْ بِهِ اَلْآيَاتُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ۖ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ )[1] ، وَقَدْ سَاهَمَ فِي إِثَارَةِ هَذِهِ اَلشُّبْهَةِ بَعْضَ اَلْمُتَأَوِّلِينَ حِينَمَا جَعَلُوا اَلنُّصُوصُ اَلْقُرْآنِيَّةُ مُؤَوَّلَةً مَعَ مُسْتَجَدَّاتِ اَلْوَاقِعِ اَلْمُعَاصِرِ .

وَنَظَرًا لِلشُّبُهَاتِ اَلَّتِي أُثِيرَتْ حَوْلَ بَعْضِ أَحْكَامِ شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ فِي اَلْفِقْهِ اَلْإِسْلَامِيِّ لِتَحَمُّلٍ فِي ظَاهِرِهَا مُحَاوَلَاتِ إِنْصَافٍ لِلْمَرْأَةِ ، بَيْنَمَا تَحْمِلُ فِي بَاطِنِهَا اَلنِّيلِ مِنْ مَتَانَةِ اَلْقَوَاعِدِ وَالْأَحْكَامِ اَلشَّرْعِيَّةِ اَلَّتِي بِلَا شَكٍّ تَصْلُحُ لِكُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ .

ذَلِكَ أَنَّ هُنَاكَ بَعْضُ اَلدَّعَوَاتِ اَلَّتِي خَرَجَتْ مِنْ بَعْضِ اَلْبُلْدَانِ اَلْعَرَبِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيَّةِ – كَتُونِس عَلَى سَبِيلِ اَلْمِثَالِ – لِتَقْنِينِ شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ فِي اَلْإِشْهَادِ عَلَى اَلزَّوَاجِ خَاصَّةً وَأَنَّ قَانُونَ اَلْأَحْوَالِ اَلشَّخْصِيَّةِ اَلتُّونِسِيِّ لَمْ يَتَضَمَّنْ أَيُّ تَمْيِيزٍ فِي شَأْنِ اَلشَّهَادَةِ بَيْنَ اَلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ، وَهُوَ مَا كَانَ سَبَبًا لِقِيَامِ اَلْكَاتِبَةِ وَالْبَاحِثَةِ اَلتُّونِسِيَّةِ أُلْفَةَ يُوسُفْ بِعَقْدِ قِرَانِ اِبْنَتِهَا مُسْتَعِينَةً بِشَهَادَةِ اِمْرَأَتَيْنِ ، وَهُوَ أَمْرٌ يُعَدُّ خُرُوجًا عَنْ رَأْيِ اَلْجُمْهُورِ .

لِذَا جَاءَ هَذَا اَلْبَحْثِ لِدِرَاسَةٍ أَحْدَثَ اَلْمَسَائِلَ اَلْفِقْهِيَّةَ اَلَّتِي بَدَأَتْ تَطْفُو عَلَى سَطْحِ اَلدِّرَاسَاتِ اَلْفِقْهِيَّةِ اَلْمُعَاصِرَةِ وَالْمُتَعَلِّقَةِ بِشَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ فِي عَقْدِ اَلنِّكَاحِ ، وَبِاعْتِبَارِ أَنَّ اَلْمَذْهَبَ اَلْحَنَفِيَّ هُوَ أَكْثَرُ اَلْمَذَاهِبِ تَطْبِيقًا فِي مَسَائِلِ اَلْأَحْوَالِ اَلشَّخْصِيَّةِ ، لِذَا فَقَدْ رَأَيْتُ دِرَاسَةُ أَثَرِ شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ فِي عَقْدِ اَلنِّكَاحِ عِنْدَ فُقَهَاءِ اَلْحَنَفِيَّةِ .

إِشْكَالِيَّة اَلْبَحْثِ :

إِنَّ اَلْإِشْكَالِيَّةَ اَلَّتِي تُثِيرُهَا هَذِهِ اَلدِّرَاسَةِ تَتَعَلَّقُ بِمَدَى اَلْمُوَازَنَةِ بَيْنَ اَلدَّعَوَاتِ اَلَّتِي تُثِيرُ اَلشُّبُهَاتُ حَوْلَ مُعَامَلَةِ اَلْإِسْلَامِ لِلْمَرْأَةِ وَانْتِقَاصِهِ مِنْ قَدْرِهَا خَاصَّةً فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِشَهَادَتِهِنَّ أَمَامَ اَلْقَضَاءِ وَبَيْنَ تَعَامُلِ اَلشَّرِيعَةِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ مَعَ شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ فِي عُمُومِ اَلْأَحْكَامِ وَبَعْضِ اَلْمَسَائِلِ اَلْخَاصَّةِ وَاَلَّتِي تُمَثِّلُ تَكَامُلاً تَشْرِيعِيًّا مَعَ اَلنَّظَرِيَّةِ اَلْعَامَّةِ لِلْإِثْبَاتِ .

تَسَاؤُلَات اَلْبَحْثِ :

يَطْرَحَ اَلْبَحْثُ اَلْعَدِيدَ مِنْ اَلتَّسَاؤُلَاتِ اَلْمُهِمَّةِ اَلَّتِي أُجِيبُ عَلَيْهَا فِي إِطَارِ اَلْخُطَّةِ اَلْمَوْضُوعَةِ وَاَلَّتِي تَتَمَثَّلُ فِيمَا يَلِي :

  1. مَا اَلْمَقْصُودُ بِالشَّهَادَةِ فِي اَلْفِقْهِ اَلْإِسْلَامِيِّ ؟ وَمَا اَلشُّرُوطُ اَللَّازِمُ تَوَافُرُهَا فِي اَلشَّاهِدِ ؟
  2. هَلْ ثَبَتَتْ فِي أَحْكَامِ اَلشَّرِيعَةِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ مَشْرُوعِيَّةَ اَلشَّهَادَةِ لِلنِّسَاءِ، وَهَلْ شَهَادَتُهُنَّ أَصْل يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ أَمْ أَنَّهُ بِمَثَابَةِ بَدَلٍ يُصَارُ إِلَيْهِ حَالُ اَلضَّرُورَةِ ؟
  3. هَلْ لِمِعْيَارِ اَلْعَلَمِ أَثَر فِي تَغْيِيرِ أَحْكَامِ اَلشَّرِيعَةِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ بِشَأْنِ قَبُولِ شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ فِي شَأْنِ عَقْدِ اَلنِّكَاحِ ؟ وَهَلْ قَبُولُ شَهَادَتِهَا يُبْطِلُ عَقْدَ اَلنِّكَاحِ ؟

أَهْدَافُ اَلْبَحْثِ :

يَهْدِفَ اَلْبَاحِثُ مِنْ خِلَالِ تَنَاوَلَ مَوْضُوعُ اَلْبَحْثِ إِلَى اَلتَّعَرُّفِ عَلَى مَا يَلِي :

  1. بَيَانٌ قَطْعِيَّةٍ اَلْأَحْكَامِ اَلشَّرْعِيَّةِ اَلْخَاصَّةِ بِعَقْدِ اَلنِّكَاحِ وَأَثَرِ شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ فِيهِ وَفْقًا لِلْمَذْهَبِ اَلْحَنَفِيِّ ، وَمَدَى قَابِلِيَّتِهِ لِلتَّغَيُّرِ بِتَغَيُّرِ اَلْأَحْوَالِ مِنْ عَدَمِهِ .
  2. بيَانُ بَعْضِ اَلِاجْتِهَادَاتِ اَلَّتِي شَذَّتْ عَنْ أَحْكَامِ اَلشَّرِيعَةِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ فِي شَأْنِ شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ وَدَحْضِ مَا أُثِيرَ مِنْ شُبُهَاتٍ فِي ظِلِّ تَغَيُّرِ اَلزَّمَانِ وَالْأَحْوَالِ .

اَلدِّرَاسَات اَلسَّابِقَةِ :

مِنْ خِلَالِ اِطِّلَاعِي عَلَى كَثِيرٍ مِنْ اَلْأَبْحَاثِ اَلْفِقْهِيَّةِ اَلْمُخْتَلِفَةِ لَمْ أَعْثُرْ عَلَى دِرَاسَةٍ خَاصَّةٍ وَمُسْتَقِلَّةٍ تَتَنَاوَلُ ” أَثَرَ شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ فِي عَقْدِ اَلنِّكَاحِ ” غَيْرِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ اَلدِّرَاسَاتِ وَالْعُلَمَاءِ – قَدِيمًا وَحَدِيثًا – تَطَرَّقُوا إِلَى مَوْضُوعِ اَلشَّهَادَةِ فِي صُورَتِهَا اَلْعَامَّةِ وَمِنْ هَذِهِ اَلدِّرَاسَاتِ مَا يَلِي :

  1. اَلزُّحِيلِي ، مُحَمَّدْ ( وَسَائِل اَلْإِثْبَاتِ فِي اَلشَّرِيعَةِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ ) ” رِسَالَةَ دُكْتُورَاهَ ” مِنْ كُلِّيَّةِ اَلشَّرِيعَةِ وَالْقَانُونِ جَامِعَةَ اَلْأَزْهَرِ ، حَيْثُ بَحَثَ فِيهَا اَلْبَيِّنَاتُ وَالْحُجَجُ وَالْأَدِلَّةُ فِي أَمَامِ اَلْقَضَاءِ وَقَدْ تَنَاوَلَ ” اَلشَّهَادَةَ ” ضِمْنَ فَصْلٍ كَامِلٍ مِنْ رِسَالَتِهِ تَنَاوَلَ فِيهَا مَفْهُومُ اَلشَّهَادَةِ ، وَبَيَانَ أَرْكَانِهَا ، وَمَشْرُوعِيَّتُهَا ، وَشَرَائِطُهَا ، وَنِصَابُهَا ، وَقَدْ اِتَّبَعَ اَلدُّكْتُورُ فِي هَذِهِ اَلرِّسَالَةِ مَنْهَجَ اَلْبَحْثِ اَلْعِلْمِيِّ اَلْمَوْضُوعِيِّ اَلْمُقَارَنِ مِنْ خِلَالِ عَرْضٍ لِأَقْوَالِ اَلْفُقَهَاءِ وَاسْتِدْلَالهُمْ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ اَلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ وَالْقِيَاسِ ، مُرَجِّحًا بَيْنَهُمَا فِي نِهَايَةِ اَلْمَسْأَلَةِ ، وَلَمْ يَتَطَرَّقْ لِمَوْضُوعِ شَهَادَةِ اَلنِّسَاءِ عِنْدَ اَلسَّادَةِ اَلْحَنَفِيَّةِ وَأَثَرِ ذَلِكَ فِي عَقْدِ اَلنِّكَاحِ وَهُوَ مَا سَيَتِمُّ بَحْثُهُ فِي هَذِهِ اَلدِّرَاسَةِ .
  2. اَلرَّجُّوبْ ، سَلِيم عَلِي ( اَلشَّاهِدُ اَلْمُخْتَلَفُ فِي شَهَادَتِهِ بَيْنَ اَلْفُقَهَاءِ ) ” رِسَالَةَ مَاجِسْتِيرٍ ” فِي اَلشَّرِيعَةِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ مِنْ كُلِّيَّةِ اَلشَّرِيعَةِ بِجَامِعَةِ اَلْخَلِيلِ ، حَيْثُ نَهْجُ اَلْبَاحِثِ فِيهَا اَلْمَنْهَجُ اَلْوَصْفِيُّ وَالِاسْتِقْرَائِيُّ وَالِاسْتِنْبَاطِيُّ مُسْتَعْرِضًا لِآرَاءِ اَلْفُقَهَاءِ مِنْ كُلِّ اَلْمَذَاهِبِ اَلْفِقْهِيَّةِ وَمَا اِسْتَنَدُوا إِلَيْهِ مِنْ أَدِلَّةٍ ، وَقَدْ تَعَرَّضَ اَلْبَاحِثُ لِلشَّهَادَةِ مِنْ خِلَالِ تَخْصِيصِ فَصْلاً خَاصًّا وَمُسْتَقِلًّا مُتَنَاوِلاً شَهَادَةَ اَلنِّسَاءِ مِنْ خِلَالِ بَيَانِ اَلْحَالَاتِ اَلَّتِي يَجُوزُ فِيهَا شَهَادَةُ اَلنِّسَاءِ دُونَ غَيْرِهِنَّ ، وَنِصَابَ هَذِهِ اَلشَّهَادَةِ ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِي دِرَاسَتِهِ عَنْ أَثَرِ شَهَادَةِ اَلنِّسَاءِ عَلَى عَقْدِ اَلنِّكَاحِ وَهُوَ مَا جَاءَتْ هَذِهِ اَلدِّرَاسَةِ لِبَيَانِهِ وَتَوْضِيحِهِ .
  3. أَبُو اَلْبَصَلِ ، عَلَى ، شَهَادَةُ اَلنِّسَاءِ فِي اَلْفِقْهِ اَلْإِسْلَامِيِّ ، بَحْثٌ مَنْشُورٌ فِي مَجَلَّةِ جَامِعَةِ دِمَشْقَ ، اَلْمُجَلَّدُ اَلسَّابِعُ عَشَر ، اَلْعَدَدُ اَلثَّانِي ، سَنَةُ 2001 م ، تَنَاوُلُ اَلْبَاحِثِ فِي هَذِهِ اَلدِّرَاسَةِ تَعْرِيفَ اَلشَّهَادَةِ وَشُرُوطِهَا وَالطَّعْنِ فِيهَا ، وَالْحُقُوقُ اَلَّتِي تُثْبِتُ بِشَهَادَةِ اَلنِّسَاءِ ، فَقَدَ تَنَاوُلُ اَلْحَدِيثِ عَنْ أَحْكَامِ شَهَادَةِ اَلنِّسَاءِ بِشَكْلٍ عَامٍّ وَلَمْ يُخَصِّصْ مَبْحَثًا لِلْحَدِيثِ عَنْ شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ فِي عَقْدِ اَلنِّكَاحِ وَهُوَ مَا تَمَيَّزَتْ بِهِ هَذِهِ اَلدِّرَاسَةِ .
  4. أَغْبَارِيَّة ، أَحْلَامُ مُحَمَّدْ ، شَهَادَةُ اَلنِّسَاءِ دِرَاسَةً فِقْهِيَّةً مُقَارَنَةٍ ، رِسَالَةُ مَاجِسْتِيرٍ ، جَامِعَةُ اَلْخَلِيلِ ، 2010 م ، تَنَاوَلَتْ اَلْبَاحِثَةُ فِي رِسَالَتِهَا هَذَا اَلْحَدِيثِ عَنْ اَلشَّهَادَةِ وَمَشْرُوعِيَّتِهَا وَشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَبَيَانِ نِصَابِ شَهَادَةِ اَلنِّسَاءِ ، وَالْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ اَلنِّسَاءِ ، وَلَمْ تَتَحَدَّثْ اَلدِّرَاسَةُ عَنْ شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ فِي عَقْدِ اَلنِّكَاحِ ، لِذَا كَانَتْ هَذِهِ اَلدِّرَاسَةِ لِلْحَدِيثِ عَنْ هَذَا اَلْمَوْضُوعِ .

 

 

جديد بحثي:

إِنَّ اَلْغَايَةَ اَلْأَسَاسِيَّةَ مِنْ هَذَا اَلْبَحْثِ هُوَ تَوْضِيحُ اَلْحَقَائِقِ اَلْغَائِبَةِ عَنْ بَعْضِ اَلدُّعَاةِ إِلَى تَحْرِيرِ اَلْمَرْأَةِ مِنْ سَطْوَةِ اَلْأَحْكَامِ اَلشَّرْعِيَّةِ – حَسَبَ زَعْمِهِمْ – وَبَيَانٌ أَنَّ اَلْمَرْأَةَ مَكْرُمَةً فِي اَلشَّرِيعَةِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ كَمَا لَمْ تَكُنْ مَكْرُمَةٌ مِنْ قَبْلٌ وَأَنَّ اَلتَّعَامُلَ مَعَ شَهَادَتِهَا لَمْ يَكُنْ اِنْتِقَاصًا مِنْهَا بَلْ لِحِكْمَةٍ أَرَادَهَا اَلشَّارِعُ اَلْحَكِيمُ ، قَدْ تَكُونُ مَعْلُومَةً لِلْبَعْضِ وَقَدْ تَكَوَّنَ لِآخَرِينَ مَا زَالَتْ فِي عِلْمِ اَلْغَيْبِ ، وَلَا شَك فِي أَنَّ مُحَاوَلَةَ إِقْحَامِ اَلْمَسَائِلِ اَلْخِلَافِيَّةِ بَيْنَ اَلنَّاسِ وَإِقَامَةِ جُسُورِ اَلِاخْتِلَافِ عَلَى أَعْمِدَةِ اَلِاخْتِلَافِ اَلْجِنْسِيِّ بَيْنَ اَلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنْ شَأْنِهِ اَلْإِضْرَارِ بِالْأُسْرَةِ وَالْمُجْتَمَعِ ، سِيَّمَا حِينَمَا يَعْتَقِدُ اَلْبَعْضُ أَنْ بَدَأَ تَحَرُّرُ اَلْمَرْأَةِ يَأْتِي مِنْ خِلَالِ تَرْكِ قَوَاعِدِ اَلزَّوَاجِ لِرَغَبَاتِهَا دُونَ ضَوَابِطَ شَرْعِيَّةٍ لِذَا جَاءَ بَحْثِيٌّ حَوْلَ أَثَرِ شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ فِي عَقْدِ اَلنِّكَاحِ عِنْدَ فُقَهَاءِ اَلْحَنَفِيَّةِ .

 منهج البحث:

اُتُّبِعَتْ فِي بَحْثِيٍّ اَلْمَنْهَجِ اَلْوَصْفِيِّ وَالِاسْتِنْبَاطِيِّ وَالِاسْتِقْرَائِيِّ وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ عَرْضِ أَقْوَالِ اَلْمَذْهَبِ اَلْحَنَفِيِّ فِي شَأْنِ شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ مِنْ اَلْمَصَادِرِ اَلْمُعْتَمَدَةِ لِلْمَذْهَبِ اَلْحَنَفِيِّ وَاسْتِقْرَاءُ أَدِلَّتِهِ وَتَحْلِيلُهُ وَعِزُّو اَلْآيَاتِ اَلْقُرْآنِيَّةَ وَالْأَحَادِيثَ اَلنَّبَوِيَّةَ اَلْمُشْرِفَةَ إِلَى مَوَارِدِهَا اَلْأَصْلِيَّةِ اَلْمُعْتَمَدَةِ وَالتَّعْرِيفِ بِبَعْضِ اَلْمُصْطَلَحَاتِ مِنْ حَيْثُ اَللُّغَةُ وَالِاصْطِلَاحُ اَلْفِقْهِيُّ اِعْتِمَادًا عَلَى اَلْمَعَاجِمِ اَللُّغَوِيَّةِ اَلْعَرَبِيَّةِ وَالْقَوَامِيسِ اَلِاصْطِلَاحِيَّةِ اَلْفِقْهِيَّةِ .

خطة البحث:

اَلْمَبْحَث اَلْأَوَّلِ: فِي تَعْرِيفِ عَقْدِ اَلنِّكَاحِ وَالشَّهَادَةِ وَفِيهِ مَطْلَبَانِ:

اَلْمَطْلَبُ اَلْأَوَّلُ : تَعْرِيفُ عَقْدِ اَلنِّكَاحِ وَالْوِلَايَةِ فِيهِ

اَلْمَطْلَبُ اَلثَّانِي : تَعْرِيفُ اَلشَّهَادَةِ وَمَشْرُوعِيَّتِهَا وَالْفِرَقِ بَيْنَ شَهَادَةِ اَلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ

اَلْمَبْحَثَ اَلثَّانِي : شَهَادَةُ اَلْمَرْأَةِ فِي اَلنِّكَاحِ وَأَثَرِ ذَلِكَ عَلَى عَقْدِ اَلنِّكَاحِ وَفِيهِ مَطْلَبَانِ: اَلْمَطْلَبُ اَلْأَوَّلُ : رَأْيُ اَلْحَنَفِيَّةِ فِي شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ عَلَى عَقْدِ اَلنِّكَاحِ وَالرَّدِّ عَلَى مُخَالِفِيهِمْ

الْمَطْلَبَ اَلثَّانِي : إِثْرَ شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ فِي عَقْدِ اَلنِّكَاحِ عِنْدَ اَلسَّادَةِ اَلْحَنَفِيَّةِ

 

اَلْمَبْحَث اَلْأَوَّلِ

فِي تَعْرِيفِ عَقْدِ اَلنِّكَاحِ وَالشَّهَادَةِ

تَمْهِيدٌ وَتَقْسِيمٌ :

إِنَّ لِعَقْدِ اَلنِّكَاحِ أَهَمِّيَّةً بَالِغَةً فِي حَيَاةِ اَلْأَفْرَادِ ، كَمَا أَنَّ لَهُ أَهَمِّيَّةٌ بَالِغَةٌ فِي وَاقِعِ اَلشَّرِيعَةِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ ، فَهُوَ اَلْعَقْدُ اَلَّذِي بِهِ تَنْشَأُ اَلْأُسْرَةُ ، إِذْ بِهِ تَنْشَأُ اَلْمَوَدَّةُ وَالسَّكَنُ وَبِهِ يُبْقِي اَلنَّوْعُ اَلْإِنْسَانِيُّ اَلَّذِي فَضْلُهُ اَللَّهُ وَكَرَمُهُ عَلَى جَمِيعِ مَخْلُوقَاتِهِ ، وَبِهِ يَحْسِم عَفَافُ اَلْإِنْسَانِ وَوِقَاءَ اَلْإِنْسَانَ مِنْ اِخْتِلَاطٍ نَسَبَهُ وَمُحَارَبَة اَلْفَسَادِ اَلْأَخْلَاقِيِّ وَالْغَرَائِزِ اَلْجِنْسِيَّةِ ، وَلَقَدْ اِهْتَمَّ اَلْفُقَهَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا بِهَذَا اَلْعَقْدِ وَأَهَمِّيَّتِهِ حَتَّى أَنَّهُمْ ذَكَرُوا ” أَنَّ اَلِاشْتِغَالَ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ اَلتَّخَلِّي لِنَوَافِل اَلْعِبَادَاتِ ، أَيْ اَلِاشْتِغَالِ بِهِ وَمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ اَلْقِيَامِ بِمُصَالَحَةٍ ، وإِعَفَافْ اَلنَّفْسُ عَنْ اَلْحَرَامِ وَتَرْبِيَةِ اَلْوَلَدِ وَنَحْوُ ذَلِكَ “[2].

وَنَظَرًا لِتِلْكَ اَلْأَهَمِّيَّةِ فَإِنَّنَا نَتَنَاوَلُ فِي هَذَا اَلْمَبْحَثِ عَقْدَ اَلنِّكَاحِ وَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ مِنْ خِلَالٍ اَلْمَطْلَبَيْنِ اَلتَّالِيَيْنِ :

  • اَلْمَطْلَبُ اَلْأَوَّلُ: تَعْرِيفُ عَقْدِ اَلنِّكَاحِ وَالْوِلَايَةِ فِيهِ .
  • اَلْمَطْلَبُ اَلثَّانِي: تَعْرِيفُ اَلشَّهَادَةِ وَمَشْرُوعِيَّتِهَا وَالْفِرَقِ بَيْنَ شَهَادَةِ اَلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ

 

 

 

 

 

 

 

اَلْمَطْلَبُ اَلْأَوَّلُ

تَعْرِيفُ عَقْدِ اَلنِّكَاحِ وَالْوِلَايَةِ فِيهِ

اَلْفَرْع اَلْأَوَّلِ : فِي تَعْرِيفِ عَقْدِ اَلنِّكَاحِ :

أَوَّلاً : فِي تَعْرِيفِ اَلْعَقْدِ :

يَعْرِفَ اَلْعَقْدُ فِي عِلْمِ اَللُّغَةِ بِأَنَّهُ مَصْدَرُ مِنْ اَلْفِعْلِ عَقَدَ ، كَقَوْلِكَ : عَقْدٌ يَعْقِدُهُ عَقْدًا ، فَاَلْـ ( اَلْعَيْنُ ، وَالْقَافُ ، وَالدَّالُ ) أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ بِذَاتِهِ عَلَى اَلشِّدَّةِ وَالْوُثُوقِ [3] ، وَمِنْهُ قَوْلُكَ : عَقَدَتْ اَلْحَبْلَ أَيْ شَدَّدَتْهُ ، وَقِيلَ اَلْعَقْدُ : هُوَ اَلْجَمْعُ بَيْنَ طَرَفَيْ ، وَعَقَدَ اَلْيَمِينُ هُوَ تَوْثِيقُهَا لَفْظًا مَعَ اَلْعَزْمِ عَلَى أَدَائِهَا ، وَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ اَلْمَعَانِي مُتَقَارِبَةً فِيمَا بَيْنَهَا فَالْعَقْدُ عَلَى هَذَا اَلنَّحْوِ مَا يُنَاقِضُ مَعْنَى اَلْحَلِّ ، وَالْعَقْدُ فِي اَللُّغَةِ مُسَاوِيًا لِلْعُقْدَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ}[4].

وَعُرِفَ اَلْعَقْدُ فِي اِصْطِلَاحِ اَلْفُقَهَاءِ بِأَنَّهُ ” اِرْتِبَاطُ إِيجَابِ بِقَبُولٍ عَلَى وَجْهِ مَشْرُوعٍ يُثْبِتُ أَثَرُهُ فِي مَحَلِّهِ “[5] ، وَلَقَدْ فَرَّقَ اَلْحَنَفِيَّةَ بَيْنَ مَفْهُومِ اَلِانْعِقَادِ وَالْعَقْدِ ، فَخُصُّوا اَلْأَوَّل بِالِانْعِقَادِ اَلصَّحِيحِ اَلَّذِي يُظْهِرُ أَثَرُهُ دُونَ أَنْ يُظْهِرَ فَسَادُهُ أَوْ بُطْلَانِهِ ، فَهَذَا اَلتَّعْرِيفُ هُوَ تَعْرِيفٌ لِلِانْعِقَادِ لَدَيَّ اَلْحَنَفِيَّةُ وَلَيْسَ تَعْرِيفًا لِلْعَقْدِ ذَات ، إِذْ إِنَّ اَلْعَقْدَ لَدَيْهِمْ إِيجَابٌ وَقَبُولٌ وَلَوْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ أَيُّ أَثَرٍ شَرْعِيٍّ ، فَيَشْمَلُ اَلْعَقْدُ اَلصَّحِيحُ وَغَيْرِ اَلصَّحِيحِ .

غَيْرَ أَنَّ هَذَا اَلتَّعْرِيفِ يُؤْخَذُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي وُجُودِ اَلْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا بَيْنَ طَرَفَيْنِ ، وَعَلَيْهِ لَا يَعُدْ مَا يَصْدُرُ عَنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ عَقْدٍ ، وَهُوَ مَا يُخَالِفُ مَا عَلَيْهِ كَثِيرٍ مِنْ اَلْفُقَهَاءِ فَالْعَقْد لَدَيْهِمْ هُوَ كُلُّ مَا يَنْشَأُ عَنْهُ مِنْ اِلْتِزَامٍ سَوَاءِ تَوَافَرَتْ إِرَادَتَينِ – كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِيجَارِ – أَوْ كَانَ صَادِرًا عَنْ إِرَادَةٍ مُنْفَرِدَةٍ – كَالطَّلَاقِ دُون مُقَابِلٍ – وَعَلَيْهِ فَإِنَّ اَلْعَقْدَ فِي اِصْطِلَاحِ اَلْفُقَهَاءِ يَأْتِي ضِمْنَ مَعْنَيَيْن أَحَدَهُمَا خَاصًّا وَهُوَ اَلْقَائِمُ بَيْنَ إِرَادَتَيْنِ وَهُوَ اَلْأَكْثَرُ شُيُوعًا ، وَالْآخَرُ عَامٌّ وَهُوَ مَا يَتِمُّ بِهِ تَنْظِيمُ كَافَّةِ اَلِالْتِزَامَاتِ اَلشَّرْعِيَّةِ[6].

ثانياً : تعريف النكاح :

جَرَى تَعْرِيفُ عَقْدِ اَلنِّكَاحِ لَدَى عُلَمَاء اَللُّغَةِ بِأَنَّهُ ” اَلضَّمُّ وَالْجَمْعُ ” وَقَدْ سُمِّيٍّ بِهَذَا اَلِاسْمِ لِمَا فِيهِ مِنْ قِيَامِ أَحَدِ اَلزَّوْجَيْنِ بِضَمِّ اَلْآخَرِ شَرْعًا وَذَلِكَ إِمَّا بِطَرِيقِ اَلْوَطْءِ أَوْ اَلْعَقْدِ [7] .

وَقِيلَ هُوَ ” اَلتَّدَاخُلُ ” وَمِنْهُ تَتَنَاكَحَ اَلْأَشْجَارَ بِمَعْنِيِّ اِنْضِمَامِهَا لِبَعْضِهَا اَلْبَعْضِ ، وَمِنْهُ اِخْتِلَاطُ اَلْمَطَرِ فِي ثَرِيِّ اَلْأَرْضِ [8].

وَعُرِفَ بِأَنَّهُ ” اَلْوَطْءُ ” وَقَدْ جَرَى اِسْتِعْمَالُهُ فِي اَلْعَقْدِ مَجَازًا ذَلِكَ أَنَّ اَلْعَقْدَ هُوَ سَبَبًا لِلْوَطْءِ ، كَمَا أَنَّ اِسْتِعْمَالَهُ فِي اَلْجَمْعِ وَالضَّمِّ مُجَازٍ عَلَاقَتَهُ اَلْمُسَبِّبَةَ ، وَعَلَى ذَلِكَ جَاءَ اَلنِّكَاحُ بِمَعْنِيِّ اَلْوَطْءِ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ اَلشَّيْءِ بِمُسَمَّى مُسَبِّبِهِ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَنْتِجُ عَنْ اَلضَّمِّ هُوَ اَلْوَطْءُ[9].

وَقَدْ عَرَفَ اَلنِّكَاحُ لَدَى عُلَمَاء اَلِاصْطِلَاحِ اَلْفِقْهِيِّ بِأَنَّهُ ” ضَمٌّ وَجَمْعٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ اَلْوَطْءُ ” وَقَدْ جَاءَ هَذَا اَلتَّعْرِيفِ مُعَبِّرًا عَنْ اَلْعَلَاقَةِ اَلَّتِي يَجْتَمِعُ عَلَيْهَا اَلزَّوْجَانِ حَالِ اَلْوَطْءِ فَيَصِيرُ كُلُّ مِنْهُمَا وَاحِدًا [10] .

وَقِيلَ هُوَ ” مَا يُفِيدُ مَلِكَ اَلْمُتْعَةِ قَصْدًا ، إِذْ بِهِ يَحُلُّ اِسْتِمْتَاعَ اَلرَّجُلِ مِنْ اِمْرَأَتِهِ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ نِكَاحِهَا أَيَّ مَانِعٍ شَرْعِيٍّ “[11]  ، وَقَدْ عَرَفَ عَقْدُ اَلنِّكَاحِ مِنْ جَانِبِ اَلْفُقَهَاءِ اَلْمُعَاصِرِينَ بِأَنَّهُ ” عَقْدُ بَيْنَ رَجُلِ وَاِمْرَأَةِ غَايَتِهِ اِسْتِحْلَالَ اَلْمُتْعَةِ اَلْجِنْسِيَّةِ بَيْنَهُمَا ، بُغْيَةَ اَلتَّنَاسُلِ ، وَتَأْسِيسَ اَلْأُسْرَةِ بِالطُّرُقِ اَلْمَشْرُوعَ ، وَالتَّعَاوُنُ فِي حَيَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ “[12].

غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ اَلتَّعْرِيفَاتِ لَمْ تَخْلُ مِنْ كَوْنِهَا جَاءَتْ مُسْتَنِدَةً إِلَى ثَمَرَةِ اَلنِّكَاحِ أَوْ غَايَاتِهِ ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَعْرِيف لِحَقِيقَةِ عَقْدِ اَلنِّكَاحِ إِذْ لَمْ تَكُنْ اَلتَّعْرِيفَاتُ اَلَّتِي قِيلَتْ فِي شَأْنِهِ – قَدِيمًا أَوْ حَدِيثًا – سِوَى آثَارٍ أَوْ غَايَاتٍ لِعَقْدِ اَلنِّكَاحِ .

وَعَقَدَ اَلنِّكَاحُ هُوَ ذَاتُهُ عَقْدَ اَلزَّوَاجِ ، فَالزَّوَاجُ مِنْ اَلنَّاحِيَةِ اَللُّغَوِيَّةِ بِأَنَّهُ ” اَلِازْدِوَاجُ وَالِاقْتِرَانُ ” وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ}[13] ، أَيْ قُرَنَائِهِمْ [14].

وَقَدْ عَرَفَ اَلزَّوَاجُ فِي اِصْطِلَاحِ اَلْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهُ ” عَقْدٌ يُفِيدُ مَلِكَ اَلْمُتْعَةِ قَصْدًا ” ، وَمَعَنِي مَلِك اَلْمُتْعَةِ أَيَّ اِخْتِصَاصِ اَلرَّجُلِ بِبِضْعِ اَلْمَرْأَةِ وَسَائِرِ اَلْبَدَنِ وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ اَلتَّلَذُّذُ بِهَا وَهُوَ لَا يَنْصَرِفُ إِلَى اَلْمَعْنَى اَلْحَقِيقِيِّ لِلْمَلِكِ ، ذَلِكَ أَنَّ اَلْحُرَّةَ لَا تَمْلِكُ بَلْ إِنَّ اَلْمَقْصُودَ هُوَ مَلِكُ اَلِانْتِفَاعِ بِزَوْجَتِهِ ، وَقَدْ خَرَجَ بِقَوْلِهِ قَصْدًا مَا يُفِيدُ تِلْكَ اَلْمُتْعَةِ ضِمْنًا كَمًّا إِذَا اِشْتَرَى جَارِيَةً فَإِنَّهُ عَقَدَ شِرَائِهَا يُفِيدُ حَل وَطِئَهَا ضِمْنًا وَهُوَ لَيْسَ عَقْدُ نِكَاحٍ كَمَا لَا يَخْفَى[15] .

كما عَرَفَ اَلزَّوَاجُ فِي اِصْطِلَاحِ اَلْفُقَهَاءِ بِأَنَّهُ ” عَقْدٌ يُفِيدُ حَلَّ اِسْتِمْتَاعِ كُلٍّ مِنْ اَلزَّوْجَيْنِ بِالْآخَرِ عَلَى اَلْوَجْهِ اَلْمَشْرُوعِ “[16].

الفرع الثاني: الولاية في عقد النكاح:

لِمَا كَانَتْ اَلشَّرِيعَةُ اَلْإِسْلَامِيَّةُ قَدْ وَالْتْ اَلِاهْتِمَامِ اَلْبَالِغِ بِعَقْدِ اَلنِّكَاحِ ، فَقَدْ جَاءَتْ أَحْكَامَهَا وَتَنْظِيمَهَا لَهُ ضِمْنَ قَوَاعِدَ شَرْعِيَّةٍ ، وَعَلَيْهِ اِشْتَرَطَ جُمْهُورُ اَلْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ اَلْوِلَايَةُ فِي إِبْرَامِ اَلْعَقْدِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَصَالِحِ عِدَّةٍ ، فَعَرَفُوا اَلْوِلَايَةَ وَبَيَّنُوا أَنْوَاعَهَا وَحُكْمَهَا ، وَشُرُوطَ اَلْوَلِيِّ فِيهَا وَتَرْتِيبِهِ ، وَحُكْمَ غِيَابِ اَلْوَلِيِّ عَنْ اَلْعَقْدِ ، وَتَنَاوَلُوا بِالتَّفْصِيلِ مَسْأَلَةَ وِلَايَةِ اَلْمَرْأَةِ عَلَى نَفْسِهَا فِي عَقْدِ اَلنِّكَاحِ وَهُوَ مَا نَتَنَاوَلُهُ فِي نِقَاطٍ عَلَى اَلنَّحْوِ اَلتَّالِي :

أَوَّلاً : فِي مَعْنَى اَلْوِلَايَةِ وَمَفْهُومِهَا :

عَرَفَتْ اَلْوِلَايَةُ فِي عِلْمِ اَللُّغَةِ : بِالْإِمَارَةِ وَالنُّصْرَةِ وَالسُّلْطَانِ ” بِكَسْر اَلْوَاوِ وَفَتْحِهَا ” ، وَقَدْ قَالَ عَنْهَا سِيبَوَيْهْ ” اَلْوِلَايَةِ بِالْكَسْرِ – اَلْمَصْدَرِ ، وَبِالْفَتْحِ – اَلِاسْم [17] ، وَذَكَرَ اِبْنْ اَلْأَثِيرْ ” أَنَّ اَلْوِلَايَةَ تَفْتَرِضُ فِيمَنْ يُطْلِقُ عَلَيْهِ اِسْمُ اَلْوَالِي أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ اَلتَّدْبِيرِ وَالْقُدْرَةِ وَالْفِعْلِ وَمِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ هَؤُلَاءِ فِيهِ فَلَا يُسَمَّى وَلِيٌّ “[18].

وَوَلِي عَلَيْهِ وِلَايَةُ أَيِّ مَلِكِ أَمْرِهِ وَقَامَ بِهِ فَهُوَ وَلِيُّهُ [19] ، وَيُقَالَ لِكُلّ مِنْ طَرَفَيْ اَلْوِلَايَةِ وَلِي . وَالْوَلِيَّ قَدْ يَأْتِي بِمَعْنَى اِسْمِ اَلْفَاعِلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( اَللَّهُ وَلِيَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا )[20] ، وَقَدْ يَأْتِي بِمَعْنَى اِسْمِ مَفْعُولِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ )[21].

وَالْوِلَايَةُ فِي اِصْطِلَاحِ المذهب الحنفي هِيَ ” تَنْفِيذُ اَلْقَوْلِ عَلَى اَلْغَيْرِ ، شَاءَ اَلْغَيْرُ أَوْ أَبِي “[22] ،  وَلَقَدْ جَاءَ هَذَا اَلتَّعْرِيفِ قَاصِرًا عَلَى وِلَايَةِ اَلْإِجْبَارِ دُونَ وِلَايَةِ اَلِاخْتِيَارِ ،  وَلَقَدْ عَالَجَ بَعْضًا مِنْ فُقَهَاءِ اَلْمَذْهَبِ اَلْحَنَفِيِّ[23] ، اَلْوِلَايَة فِي اَلنِّكَاحِ ضِمْنَ اَلْأَحْكَامِ دُونَ تَعْرِيفِ لَهَا فَعَرَفَهَا اَلسَّرْخَسِي بِأَنَّهَا ” مَنْ لَهُ وِلَايَةُ اَلتَّصَرُّفِ فِي اَلْمَالِ وَالنَّفْسِ جَمِيعًا ” .

وَمِنْ خِلَالِ اَلتَّدْقِيقِ فِيمَا جَرَى تَعْرِيفُهُ مِنْ فُقَهَاءِ اَلْمَذْهَبِ اَلْحَنَفِيِّ لِلْوِلَايَةِ ، نَجِدُ أَنَّ اَلْوِلَايَةَ لَدَيْهِمْ هِيَ اَلَّتِي تَشْعُرُ دَائِمًا بِالسُّلْطَةِ اَلْمُقَرَّرَةِ لِلْوَلِيِّ مِمَّنْ تَحْت وِلَايَتِهِ ، حَيْثُ تَرْتَكِزُ عَلَى عُنْصُرِ اَلسُّلْطَةِ فِي سَبِيلِ تَحْدِيدِ مُهِمَّةِ اَلْوَلِيِّ ، غَيْرَ أَنَّهَا فِي اَلْوَقْتِ ذَاتِهِ أَغْفَلَتْ عُنْصُرَ اَلرِّعَايَةِ ، لِذَا عَرَفَهَا اَلشَّيْخُ مُصْطَفَى اَلزَّرْقَا بِأَنَّهَا ” اَلْوِلَايَةُ عِبَارَةً عَنْ قِيَامِ شَخْصٍ كَبِيرٍ رَاشِدٍ عَلَى شَخْصٍ قَاصِرٍ فِي تَدْبِيرِ شُؤُونِهِ اَلشَّخْصِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ “[24].

ثَانِيًا : أَنْوَاعُ اَلْوِلَايَةِ :

وَقَدْ قَسَّمَ فُقَهَاءُ اَلْحَنَفِيَّةِ اَلْوِلَايَةِ فِي عَقْدِ اَلنِّكَاحِ إِلَى قِسْمَيْنِ ، أَوَّلُهُمَا : وَهِيَ وِلَايَةُ اَلْإِجْبَارِ : وَفِيهَا يُكَوِّنُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُنْشِئَ عَقْدُ اَلنِّكَاحِ دُونَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ مِمَّنْ تَحْت وِلَايَتِهِ ، وَتُثْبِتَ هَذِهِ اَلْوِلَايَةِ لِلْأَوْلِيَاءِ مِنْ اَلْعَصَبِ وَفْقَ تَرْتِيبِهِمْ وَذَلِكَ فِي حَالٍ كَانَتْ اَلْمَرْأَةُ صَغِيرَةً سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا[25].

أُمًّا ثَانِيهِمَا : وَهِيَ وِلَايَةُ اَلِاسْتِحْبَابِ أَوْ اَلنَّدْبِ : وَهِيَ اَلْوِلَايَةُ اَلَّتِي تُثْبِتُ لِلْبَالِغَةِ اَلْعَاقِلَةِ بَكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا ، ذَلِكَ أَنَّ وِلَايَةَ اَلْإِجْبَارِ عَنْ اَلْمَرْأَةِ إِنَّمَا ثَبَتَتْ لَهَا لِعَجْزِهَا عَنْ مُرَاعَاتِهَا لِمَصْلَحَتِهَا نَتِيجَةِ لِصِغَرِ سِنِّهَا أَوْ لِجُنُونِهَا ، وَمِنْ ثَمَّ إِذَا بَلَغَتْ زَالَ اَلْعَجْزُ وَبَاتَتْ قَادِرَةً بِشَكْلِ حَقِيقَةٍ عَلَى مُرَاعَاةِ مَصْلَحَتِهَا ، غَيْرَ أَنَّهَا فِي عَقْدِ اَلنِّكَاحِ تَبَقَّى عَاجِزَةً عَجْزًا اِسْتِحْبَابًا أَوْ نَدْبًا لِأَنَّهَا قَدْ تَحْتَاجُ إِلَى اَلْخُرُوجِ فِي مَحَافِلِ اَلرِّجَالِ ، وَالْمَرْأَةُ حَالِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى اَلسَّتْرِ لِذَا فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ اَلْعَاقِلَةِ أَنْ تُفَوِّضَ أَمْرَهَا إِلَى وَلِيِّهَا حَتَّى لَا يُنْسَبُ إِلَيْهَا مَا هُوَ خِلَافُ اَلْعَادَةِ وَالْمَأْلُوفِ ، فَكَانَ عَجْزُهَا عَلَى هَذَا اَلنَّحْوِ عَجْزَ اِسْتِحْبَابٍ لَا حَقِيقَةً[26] .

وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ لِلْمَرْأَةِ اَلْعَاقِلَةِ أَنْ تَتَوَلَّيْ بِنَفْسِهَا عَقْدَ زَوَاجِهَا ، وَيَصِحَّ مَعَهُ اَلْعَقْدَ وَيُبْقِي نَافِذًا وَلَازِمًا مَتَى كَانَ اَلزَّوْجُ كُفْئًا لَهَا ، وَلَا يَكُونُ لِأَيٍّ مِنْ أَوْلِيَائِهَا أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى ذَلِكَ ، غَيْرَ أَنَّهُ مِنْ اَلْمُسْتَحَبِّ لَهَا تَفْوِيضُ وَلِيِّهَا فِي ذَلِكَ كَرَامَةً لَهَا وَأَدَبًا.

ثَالِثًاً : حُكْمُ اَلْوِلَايَةِ فِي عَقْدِ اَلنِّكَاحِ :

يرَى أَصْحَابُ اَلْمَذْهَبِ اَلْحَنَفِيِّ إِلَى جَوَازِ أَنْ تَنْكِحَ اَلْمَرْأَةُ عَقْدَهَا ، وَلَهَا أَنْ تَأْذَنَ فِي نِكَاحِ غَيْرِهَا إِذَا كَانَتْ عَاقِلَةً بَالِغَةً ، إِلَّا أَنَّ اَلْمُسْتَحَبَّ هُوَ نِكَاحُهَا بِتَفْوِيضِ اَلْوَلِيِّ ، فَعَلَى اَلرَّغْمِ أَنَّ اَلنِّكَاحَ اِبْتِدَاءً يَقَعُ صَحِيحًا ، غَيْرَ أَنَّهُ يَبْقَى لِلْأَوْلِيَاءِ حَقَّ اَلِاعْتِرَاضِ فِي حَالٍ لَمْ يَكُنْ اَلزَّوْجُ كُفُؤًا لَهَا ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرٌ مَذْهَبُ اَلْحَنَفِيَّةِ ، وَقَدْ اِسْتَدَلُّوا عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِعِدَّةِ أَدِلَّةٍ عَلَى اَلنَّحْوِ اَلتَّالِي :

  1. قَوْلُهُ تَعَالَى : {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [27] ، وقَوْلُهُ تَعَالَى {فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ..}[28] ، فَدَلَّتْ اَلْآيَتَانِ اَلْكَرِيمَتَانِ عَلَى جَوَازِ إِنْكَاحْ اَلْمَرْأَةُ نَفْسَهَا دُونَ إِذَنْ مِنْ وَلِيِّهَا ، وَانْ إِذْنِ اَلْوَلِيِّ لَيْسَ بِشَرْطِ فِي عَقْدِ اَلنِّكَاحِ حَيْثُ أُضِيفَ اَلْعَقْدُ لَهَا دُونَ اَلْوَلِيِّ [29].
  2. قَوْلُهُ تَعَالَى : {وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ.}[30] ، وذكر الإمام الكاساني ” الآية الشريفة نص في انعقاد النكاح بعبارتها”[31].
  3. وقد استدلوا من السنة النبوية المطهرة بِمَا رُوِيَ عَنْ اِبْنْ عَبَّاسْ : إِنَّ اَلنَّبِيَّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ ” اَلْأَيِّمُ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا ، وَالْبِكْرُ تَسْتَأْذِنُ فِي نَفْسِهَا وَأُذُنِهَا بَصَمَاتِهَا “[32] ، فَدَلَّ اَلْحَدِيثُ عَلَى جَوَازٍ أَنَّ تَزَوَّجَ اَلْأَيِّمُ اَلَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا نَفْسُهَا ، وَهَذَا اَلتَّصْرِيحُ اَلنَّبَوِيُّ اَلشَّرِيفُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِصِحَّةٍ نَكَحَاهَا دَوَّنَ وَلِيُّ أَوْ دُونَ رِضَاهُ [33] .
  4. كَمَا اِسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أُمْ سَلَمَهْ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : دَخَلَ عَلَى اَلنَّبِيِّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بَعْدٌ وَفَاةِ أَبِي سَلَمَهْ فَخَطَبَنِي إِلَى نَفْسِيٍّ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولُ اَللَّهِ ، أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي شَاهَدَا ، فَقَالَ ” إِنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ شَاهِدٍ وَلَا غَائِب يَكْرَهُ ذَلِكَ ، قَالَتْ : قُمْ يَا عُمَرْ فَزَوَّجَ اَلنَّبِيُّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَتَزَوَّجَهَا “[34] ، فَدَلَّ اَلْحَدِيثُ عَلَى جَوَازِ تَزْوِيجِ اَلْمَرْأَةِ نَفْسَهَا وَانْ زَوَاجُهَا لِنَفْسِهَا لَيْسَ فِيهِ تَوَقُّفٌ عَلَى رِضَا اَلْأَوْلِيَاءِ حَيْثُ خَطَبَهَا اَلنَّبِيُّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِنَفْسِهِ وَقَدْ تَوَلَّى نِكَاحُهَا اِبْنُهَا وَهُوَ طِفْلٌ صَغِيرٌ غَيْرُ بَالِغٍ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ اَلْوِلَايَةُ وَقَدْ وَلَّتْهُ أُمْ سَلَمَهْ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا فِي عَقْدِ اَلنِّكَاحِ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَأَصْبَحَتْ وَكَأَنَّهَا عَقَدَتْ عَلَى نَفْسِهَا[35].

وَعَلَى ذَلِكَ فَقَدْ ذَهَبَ اَلْإِمَامْ أَبُو حَنِيفَة وَتَلَامِيذُهُ إِلَى اِسْتِحْبَابِ اَلْوِلَايَةِ فِي عَقْدِ اَلنِّكَاحِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ اَلْبَالِغَةِ اَلْعَاقِلَةِ ، اِسْتِنَادًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَدِلَّةٍ ، وَلَمَّا ثَبَتَ مِنْ مَوَاقِفَ نَبَوِيَّةٍ أَبْطَلَ فِيهَا نَبِيُّ اَللَّهِ مُحَمَّدْ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَقْدُ اَلْوَلِيِّ ، مُعْطِيًا لِلْمَرْأَةِ حَقَّهَا فِي أَنْ تَرِدَ زَوَاجَ اَلْوَلِيِّ وَأَنْ تَتَزَوَّجَ هِيَ بِمَنْ تُرِيدُ ، وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ عَدَمَ وُجُوبِ اَلْوَلِيِّ فِي عَقْدِ اَلنِّكَاحِ يَتَوَافَقُ مَعَ فِعْلِ اَلنَّبِيِّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –

ثَالِثًا: مَا تُثْبِتُ بِهِ اَلْوِلَايَةُ فِي عَقْدِ اَلنِّكَاحِ:

ذَهَبَ اَلْإِمَامْ أَبُو حَنِيفَة – رَحِمَهُ اَللَّهُ عَلَيْهِ – بِثُبُوتِ اَلْوِلَايَةِ فِي عَقْدِ اَلنِّكَاحِ لِلْعُصْبَةِ كَأَصْلٍ عَامٍّ ، وَاَلَّتِي تُثْبِتُ بِالْبُنُوَّةِ ، وَالْأُبُوَّةُ ، وَالْإِخْوَةُ ، وَالْعُمُومَةُ ، وَقَدْ رَتَّبَهُمْ عَلَى نَحْوِ اَلتَّرْتِيبِ اَلْحَاصِلِ فِي اَلْإِرْثِ وَالْحَجْبِ ، وَالضَّابِطُ اَلْعَامُّ لَدَيْهِ فِي اَلْعُصْبَةِ هُوَ أَلَّا يَكُونَ فِي تَسَلْسُلِ اَلنِّسَبِ اِمْرَأَةً [36] ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ عُصْبَةٌ اِنْتَقَلَتْ اَلْوِلَايَةُ فِي عَقْدِ اَلنِّكَاحِ إِلَى اَلْأَقَارِبِ مِنْ غَيْرِ اَلْعِصَابَاتِ ، كَالْأَخْوَالِ ، وَالْخَالَاتُ ، وَالْعَمَّاتُ ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ تَوْسِعَةً مِنْ اَلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَة –رَحِمَهُ اَللَّهُ – – لِتَدْعِيمِ رَوَابِطِ اَلْأُسْرَةِ اَلْوَاحِدَةِ بَيْنَ جَمِيعِ أَفْرَادِهَا مِنْ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ ، وَأَشْعَارَ كُلِّ مِنْهُمْ بِأَنَّ لَهُ دَوْرًا هَامًّا فِي اَلْأُسْرَةِ ، كَمَا أَغْلَقَ اَلْإِمَامُ فِي اَلْوَقْتِ ذَاتِهِ مُحَاوَلَةَ أَيِّ غَرِيبٍ إِقْحَامِ نَفْسِهِ فِي أَمْرِ اَلْمَرْأَةِ وَمَنْعِهَا مِنْ اَلزَّوَاجِ بِمَنْ تُرِيدُ ، وَهُوَ مَا يَعْكِسُ مَدَى اِهْتِمَامِ اَلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَة بِتَوْفِيرِ حِمَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ لِلْمَرْأَةِ لِلْحَدِّ مِنْ قَضِيَّةِ إِجْبَارِهَا عَلَى اَلتَّزَوُّجِ بِمَنْ لَا تَرْضَاهُ ، وَعَلَيْهِ فَقَدْ مَنَحَ اَلْإِمَامْ أَبُو حَنِيفَة لِلْمَرْأَةِ حَقَّ تَزْوِيجِ نَفْسِهَا إِذَا كَانَتْ عَاقِلَةً وَبَالِغَةً ، وَانْ تَفْوِيضِ اَلْوَلِيِّ فِي عَقْدِ اَلزَّوَاجِ هُوَ لِلِاسْتِحْبَابِ وَلَيْسَ لِلْوُجُوبِ .

وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَبِي يُوسُفْ اِخْتِلَافُهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَة فِي مَسْأَلَةِ وِلَايَةِ اَلْقَرَابَةِ إِذْ إِنَّ لَا تُثْبِتُ فِي اَلزَّوَاجِ لِغَيْرِ اَلْعُصْبَةِ وَقَدْ اِسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ اَلنَّبِيِّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ” اَلنِّكَاحُ إِلَى اَلْعِصَابَاتِ “[37] ، وَقَدْ اِسْتَدَلَّ أَبُو يُوسُفْ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَنَّ اَلْأَلْفُ وَاللَّام فِي ” اَلنِّكَاحِ ” لِلْجِنْسِ تَدُلُّ عَلَى جِنْسِ اَلنِّكَاحِ وَمُؤَدَّاهُ جِنْسَ اَلنِّكَاحِ مُفَوَّض إِلَى هَذَا اَلْجِنْسِ وَهُوَ اَلْعِصَابَاتُ ، وَلَانَتْ وِلَايَةُ اَلنِّكَاحِ لِصِيَانَةِ اَلْقَرَابَةِ مِنْ غَيْرِ اَلْكُفْءِ وَعَلَيْهِ فَقَدَ قَصْرُ اَلنِّكَاحِ فِي اَلْحَدِيثِ فَجَاءَ اَلتَّعْصِيبُ سَبَبًا .

وَالرَّاجِحَ فِي هَذِهِ اَلْمَسْأَلَةِ هُوَ مَا أَقَرَّهُ اَلْإِمَامْ أَبُو حَنِيفَة لِأَنَّ اِنْتِقَالَ اَلْوِلَايَةِ لِذَوِي اَلْأَرْحَامَ تَدْفَعُهُمْ إِلَى اَلْبَحْثِ عَنْ اَلْكُفْءِ وَالْأَقْوَى وَعِنَايَة مَصْلَحَةِ اَلْمَرْأَةِ .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الثاني

تعريف الشهادة ومشروعيتها والفرق بين شهادة الرجل والمرأة

الفرع الاول : تعريف الشهادة ومشروعيتها

اولا: تعريف الشهادة لغة واصطلاحا:

اَلشَّهَادَة فِي عِلْمِ اَللُّغَةِ ، أَصْلُ دَالْ عَلَى اَلْعَلَمِ وَالْإِعْلَامِ [38] ، وَالشَّهَادَةُ هِيَ خَبَرٌ قَاطِعٌ كَقَوْلِكَ شَهِدَتْ عَلَى كَذَا وَاشْهَدْ بِكَذَا أَيْ اِحْلِفْ ، كَقَوْلِ اَلْمُوَحَّدِ ” أَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ ” فَدَلَّ عَلَى قَطْعِيَّةٍ اَلْوِجْدَانِيَّةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَقِيلَ مَعْنَاهَا اَلْعَلَمُ أَيْ أَعْلَمَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ [39] ، وَالْمُشَاهَدَة : تَعْنِي اَلْمُعَايَنَةُ ، فَالشَّهَادَةُ مَعْنَاهُ اَلْحُضُورُ وَمِنْهُ قَوْلُكَ قَوْمَ شُهُود : أَيُّ حُضُورٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى ( شَهَادَةٌ بَيْنَكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدُكُمْ اَلْمَوْتَ حِينَ اَلْوَصِيَّة اِثْنَانِ )[40].

وَعَرَفَهَا مَجْمَعُ اَللُّغَةِ اَلْعَرَبِيَّةِ بِأَنَّهَا ” أَنْ يُخْبِرَ بِمَا رَأْي وَأَنْ يُقِرَّ بِمَا عَلِمَ ، وَمَجْمُوعَ مَا يُدْرِكُ بِالْحِسِّ ، وَهِيَ اَلْبَيِّنَةُ فِي اَلْقَضَاءِ “[41]

وَأَصْلَ اَلشَّهَادَةِ فِي اَللُّغَةِ جَاءَ مِنْ اَلْفِعْلِ شَهِدَ وَجَمْعُهَا شُهُود وَإِشْهَادٌ ، وَعَلَيْهِ نَرَى أَنَّ اَلشَّهَادَةَ مِنْ اَلْجَانِبِ اَللُّغَوِيِّ هِيَ اَلْأَخْبَارُ اَلْجَازِمُ اَلَّذِي يَنْشَأُ أَمَّا عَنْ حُضُورٍ أَوْ مُعَايَنَةٍ أَوْ إِعْلَامٍ بِالشَّيْءِ .

أَمَّا اَلشَّهَادَةُ فِي اِصْطِلَاحِ اَلْفِقْهِ اَلْحَنَفِيِّ جَاءَتْ ضِمْنَ تَعْرِيفَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ :

فَعَرَفْتُ بِأَنَّهَا ” أَخْبَارٌ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَعْيَيْنِ لَا عَنْ تَخْمِينٍ وَحُسْبَانٍ “[42] .

كَمَا عَرَفَتْ ” أَخْبَارُ صِدْقٍ لِإِثْبَاتِ حَقِّ بِلَفْظٍ أَشْهَدُ فِي مَجْلِسِ اَلْحُكْمِ “[43].

وَقَدْ عَرَفَهَا اَلْجُرْجَانِي بِأَنَّهَا ” أَخْبَارٌ عَنْ عِيَانِ بِلَفْظِ اَلشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ اَلْقَضَاءِ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى اَلْآخَرِ ، وَالْأَخْبَارُ ثَلَاثِ أُمًّا بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى اَلْآخَرِ فَهُوَ شَهَادَةٌ ، وَأَمَّا بِحَقّ لِلْمُخْبِرِ عَلَى اَلْآخَرِ فَهُوَ اَلدَّعْوَى ، وَأَمَّا اَلْإِقْرَارُ “[44]  ، وَقِيلَ هِيَ ” أَخْبَارًا مَشْرُوطًا فِي مَجْلِسِ اَلْقَضَاءِ “[45] .

ثانيا: مشروعية الشهادة:

اَلشَّرِيعَة اَلْإِسْلَامِيَّةِ وَفِيرَةً بِالْأَدِلَّةِ اَلْمُتَعَدِّدَةِ وَالدَّالَّةِ بِلَا رَيْبٍ عَنْ مَشْرُوعِيَّةِ اَلشَّهَادَةِ ، فَقَدْ جَاءَتْ اَلْآيَاتُ اَلْقُرْآنِيَّةُ ، وَالْأَحَادِيثُ اَلنَّبَوِيَّةُ ، وَالْآثَارُ لِلتَّدْلِيلِ عَلَى هَذِهِ اَلْمَشْرُوعِيَّةِ ، غَيْرَ أَنَّ اَلْمَقَامَ لَا يَتَّسِعُ لِذِكْرِ جَمِيعِ اَلْأَدِلَّةِ ، لِذَا نُورِدْ بَعْضًا مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ اَلتَّمْثِيلِ فِيمَا يَلِي :

  1. فمن القرآن الكريم قول الله عز وجل: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ ترضوا مِنَ اَلشُّهَدَاء}[46] ، وقوله عز وجل: {وَأَشْهَدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}[47] ، فَدَلَّتْ اَلْآيَاتُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ اَلشَّهَادَةِ وَوُجُوبِهَا.
  2. أَمَّا مِنْ اَلسُّنَّةِ اَلنَّبَوِيَّةِ اَلْمُطَهَّرَةِ فَقَدَ مَا رُوِيَ عَنْ اَلنَّبِيِّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِلْأَشْعَثِ بْنْ قَيْسْ ، فِي خُصُومَةٍ جَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلِ ” شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينِهِ “[48].
  3. وَرُوِيَ عَنْ اِبْنْ عَبَّاسْ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ اَلنَّبِيُّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَنْ اَلشَّهَادَةِ فَقَالَ ” هَلْ تَرَى اَلشَّمْسُ ؟ قَالَ : نَعِمَ ، فَقَالَ : عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ أَوْ دَعْ “[49].
  4. وَفِي اَلنِّكَاحِ رُوِيَ عَنْ أَنَسْ – رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ – أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ” لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيِّ وَشَاهِدِي عَدْلٍ ” ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدْ اَلْخُدْرِي ” لَا يَضُرُّ أَحَدُكُمْ بِقَلِيلٍ مِنْ مَالِهِ تَزَوَّجَ أُمَّ بِكَثِيرٍ بَعْدَ أَنْ يَشْهَدَ ” ، وَفِي رِوَايَةٍ ” لَيْسَ عَلَى اَلرَّجُلِ جَنَاحَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِمَالِهِ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ إِذَا شَهِدَ “[50].

وعليه فَإِنَّ لِلشَّهَادَةِ فِي حِفْظِ حُقُوقِ اَلْعِبَادِ وَإِثْبَاتِهَا أَهَمِّيَّةً عَظِيمَةً وَبَالِغَةً ، فَضْلاً عَنْ كَوْنِهَا عَوْنًا لِلْقَاضِي إِذْ بِهَا يَصِلُ إِلَى جُدَّةَ اَلصَّوَابُ وَالْحُكْمُ بَيْنَ اَلْأَفْرَادِ بِالْعَدْلِ ، وَصِدْقَ اَلْقَاضِي شُرَيْحْ حِينَمَا قَالَ عَنْهَا ” اَلْقَضَاءُ جَمْرُ فَتْحَهُ عَنْكَ بِعُودَيْنِ أَيْ بِشَاهِدِينَ ، وَإِنَّمَا اَلْخَصْمُ دَاءً ، وَالشُّهُودُ شِفَاءٍ فَأَفْرَغَ اَلشِّفَاءُ عَلَى اَلدَّاءِ”[51].

الفرع الثاني: الفرق بين شهادة الرجل والمرأة:

جَرَى اَلِاتِّفَاقُ بَيْنَ فُقَهَاءِ اَلشَّرِيعَةِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ عَلَى أَنَّ لِلشَّهَادَةِ حُجَّةً مُلْزِمَةً لِمَا فِيهَا مِنْ إِظْهَارٍ لِحُقُوقِ اَلْعِبَادِ ، وَعَلَيْهِ فَإِنَّ عَلَى اَلْقَاضِي اَلْأَخْذِ بِهَا وَالْحُكْمِ بِمُقْتَضَاهَا ، كَوْنُهُ مَأْمُورًا بِأَنْ يَقْضِيَ بِالْحَقِّ وَعَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنَّ بِآخَر اَلْحُكْم ، وَلَقَدْ تَبَايَنَتْ اَلْمَذَاهِبُ اَلْفِقْهِيَّةُ فِي شَأْنِ شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ حَوْلَ مَدَى اِعْتِبَارِهَا أَصْلاً يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ أَمْ أَنَّهَا بَدَلٌ يُصَارُ إِلَيْهِ حَالُ اَلضَّرُورَةِ ؟

فِيرِي أَصْحَابَ اَلْمَذْهَبِ اَلْحَنَفِيِّ أَنَّ اَلْأَصْلَ فِي شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ هُوَ اَلْقَبُولُ وَذَلِكَ لِوُجُودِ مَا تَبْتَنِي عَلَيْهِ أَهْلِيَّتُهَا لِلشَّهَادَةِ وَهُوَ اَلْمُشَاهَدَةُ وَالضَّبْطُ وَالْأَدَاءُ ، غَيْرَ أَنَّ اَلشَّهَادَةَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ قَدْ تَعْتَرِيهَا شُبْهَةُ اَلْبِدَايَةِ اَلشَّكْلِيَّةِ لَا اَلْحَقِيقِيَّةِ ، وَذَلِكَ لِقِيَامِهَا مَقَامِ شَهَادَةِ اَلرَّجُلِ مَعَ إِمْكَانِ اَلْعَمَلِ بِشَهَادَتِهِمْ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اَلْبَدَلَ اَلْحَقِيقِيَّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُصَارَ إِلَيْهِ مَعَ وُجُودِ اَلْأَصْلِ غَالِبًا ، فَإِذَا كَانَتْ شَهَادَةُ اَلْمَرْأَةِ حَقِيقِيَّةً لَكَانَ اَلْعَمَلُ بِهَا عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ اَلرَّجُلِ ، ذَلِكَ أَنَّ اَلْآيَةَ اَلْكَرِيمَةَ اَلْوَارِدَةَ فِي شَأْنِ شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ۖ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” جَاءَتْ مُتَنَاوَلَةً لِحَالَةِ وُجُودِ اَلرَّجُلِ أَوْ عَدَمِ وُجُودِهِ ، وَعَلَيْهِ فَإِنَّ قَبُولَ شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ لَمْ يَكُنْ لِمَعْنَى فِي اَلرَّجُلِ ذَاتِهِ بَلْ لِمَعْنِيٍّ فِيهِمَا وَهُوَ اَلضَّبْطُ وَالْعَدَالَةُ ، إِذْ تُعَدِّلُ اَلْمَرْأَةُ اَلرَّجُلَ فِي صِدْقِهِ وَأَمَانَتِهِ وَدِيَانَتِهِ[52] .

وَيَرَى اَلْفِقْهُ اَلْحَنَفِيُّ أَنَّ شَهَادَةَ اَلْمَرْأَةِ تَقْبَلُ مُنْفَرِدَاتٍ فِيمَا لَا يُمْكِنُ لِلرِّجَالِ أَنْ يَطَّلِعُوا عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ لَا يُبَاشِرُونَ اَلْأُمُورُ اَلْخَاصَّةُ بِالْمَرْأَةِ ، وَتَقْبَلَ شَهَادَةُ اَلْمَرْأَةِ اَلْوَاحِدَةِ فِيمَا تَقْبَلُ فِيهِ اَلنِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ إِذَا تَوَافَرَ فِيهِ شَرْطُ اَلْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَالْعَدْلِ ، وَيُرِي اَلْحَنَفِيَّةَ أَنَّ شَهَادَةَ اِثْنَتَيْنِ مِنْ اَلنِّسَاءِ هُوَ اَلْأَحْوَطُ وَأَنَّ اَلثَّلَاثَةَ أَحَبَّ إِلَى اَللَّهِ وَبِالْأَرْبَعِ يَخْرُجَ أَيَّ خِلَافٍ وَقَدْ اِسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ اِبْنِ عُمَرْ – رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ – عَنْ اَلنَّبِيِّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ” يُجَزِّئَ فِي اَلرَّضَاعِ شَهَادَةَ اِمْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ “[53].

وَلَقَدْ ذَهَبَ زَفَرَ [54] ، مِنْ فُقَهَاءِ اَلْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبُولَ شَهَادَةِ اَلنِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ دُونَ رَجُلٍ فِي شَيْءِ أَصْلاً ، لَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا لَا يُطْلِعُ عَلَيْهِ اَلرِّجَالُ كَالْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ وَالثَّوْبَة وَالْحَيْضُ وَالرَّضَاعُ ، وَلَا فِي عُيُوبِ اَلنِّسَاءِ وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ[55].

وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ اَلْفِقْهَ اَلْحَنَفِيَّ لَمْ يَعْرِفْ لِلْمَرْأَةِ فِي أَدَاءِ اَلشَّهَادَةِ أَيَّ اِخْتِلَافِ بَيْنَ اَلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ، فَالْمَرْأَةُ كَمَا اَلرَّجُلُ مُكَلَّفَةً شَرْعًا وَمُطَالَبَةُ بِالْعِبَادَاتِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَسَائِرِ اَلْأَحْكَامِ اَلشَّرْعِيَّةِ ، غَيْرَ أَنَّ هُنَاكَ حَالَاتٌ خَصَّصَتْ فِيهَا لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُؤَدِّيَ اَلشَّهَادَةُ لِحُكْمِ وَاعْتِبَارَاتِ وَاقِعِيَّةٍ وَفِطْرِيَّةٍ[56].

فَالْمَرْأَةُ ذَاتَ أَهْلِيَّةٍ تَامَّةٍ كَاهِلَيْهِ اَلرَّجُلَ فِي إِجْرَاءِ اَلْعُقُودِ وَالتَّمَلُّكِ وَالتَّبَرُّعَاتِ وَسَائِرِ اَلتَّصَرُّفَاتِ ، وَلَا يَجُوزُ اَلْحَجْرُ عَلَيْهَا فِي أَيِّ تَصَرُّفِ أَوْ فِي مَالِهَا إِلَّا إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ أَسْبَابُ شَرْعِيَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْأَهْلِيَّةِ ، وَلَمْ يَكُنْ تَمْيِيزُ اَلْمَرْأَةِ عَنْ اَلرَّجُلِ فِي اَلشَّهَادَةِ قَائِمًا بِسَبَبَ اَلْجِنْسِ بَلْ بِسَبَبِ فَوَارِقَ طَبِيعِيَّةٍ وَالْوَظِيفَةِ اَلَّتِي خَصَّصَتْهَا اَلْفِطْرَةُ اَلسَّلِيمَةُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا[57] .

وَلَقَدْ خَصَّصَتْ اَلْمَرْأَةُ بِوَظَائِفَ بَيُولُوجِيَّةٍ تَخْتَلِفُ مِنْ حَيْثُ اَلتَّكْوِينُ اَلْبَدَنِيُّ وَالْهُرْمُونِيُّ عَنْ اَلرَّجُلِ ، إِذْ تَحْمِلُ اَلْمَرْأَةُ وَتُوضَعُ وَتُرْضِعُ ، وَتَحِيض بِشَكْل دَوْرِيٍّ بِمَا يُؤَثِّرُ فِي مَشَاعِرِهَا اَلنَّفْسِيَّةِ ، وَقَدْ أَوْضَحَتْ اَلشَّرِيعَةُ اَلْإِسْلَامِيَّةُ هَذَا اَلِاخْتِلَافِ مِنْ خِلَالِ اَلْآيَةِ اَلْكَرِيمَةِ اَلَّتِي وَرَدَتْ فِي سُورَةِ اَلْبَقَرَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ” فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ “[58] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى ” إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ “[59] ، وَعَلَى ذَلِكَ اِسْتَنْبَطَ اَلْبَاحِثُونَ مَدَى اَلِاخْتِلَافِ بَيْنَ اَلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنْ اَلنَّاحِيَةِ اَلْبَيُولُوجِيَّةِ أَوْ اَلْفِسْيُولُوجِيَّةِ.

لِذَا فَقَدْ خَفَّفَ اَلشَّارِعُ اَلْحَكِيمُ عَنْ اَلْمَرْأَةِ اَلتَّكْلِيفُ اَلشَّرْعِيُّ فِي حَالِ وُقُوعِ اَلْحَيْضِ وَهُوَ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِ اَلنَّبِيِّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ” أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ اَلْمَرْأَةُ لَمْ تَصِلْ وَلَمْ تَصُمْ ؟ أَلَيْسَ شَهَادَةُ اَلْمَرْأَةِ مِثْلٍ نِصْفِ شَهَادَةِ اَلرَّجُلِ ” وَهُوَ مَا يَجْعَلُ شَهَادَةَ اَلْمَرْأَةِ فِي فَتَرَاتِ اَلْحَيْضِ وَالْحَمْلِ وَالرَّضَاعِ كَنِصْفِ شَهَادَةِ اَلرَّجُلِ[60].

كَمَا تَخْتَلِفُ اَلْمَرْأَةُ عَنْ اَلرَّجُلِ فِي اَلشَّهَادَةِ أَنَّهَا تَمْتَازُ بِشِدَّةِ اَلِانْفِعَالَ وَالْحَسَاسِيَةَ وَعَدَمِ اَلتَّرَيُّثِ وَهُوَ مَا قَدْ يَنْعَكِسُ عَلَى حَالَتِهَا اَلنَّفْسِيَّةِ [61] ، وَهُوَ مَا يَجْعَلُ عَاطِفَةَ اَلْمَرْأَةِ طَاغِيَةً فِي بَعْضِ اَلْأَحْيَانِ عَلَى مَا وَصَلَ إِدْرَاكُهَا إِلَيْهِ فَتَمْتَزِجْ اَلْعَاطِفَةُ بِالْوَاقِعِ فَيَتَشَكَّلُ لَدَيْهَا صُوَرٌ أُخْرَى مِنْ شَأْنِهَا أَنَّ تَغْيِيرَ اَلْحَقِيقَةِ دُونَ أَنْ تَشْعُرَ ، لِذَا اِسْتَبْعَدَتْ شَهَادَتُهَا فِي اَلْأُمُورِ اَلَّتِي تُؤَدِّي إِلَى نَتَائِجَ خَطِيرَةٍ كَالشَّهَادَةِ فِي حَدِّ اَلزِّنَا ، كَمَا لَمْ يُعْتَدْ بِشَهَادَتِهَا مُنْفَرِدَةً عَنْ اَلرَّجُلِ إِلَّا فِي اَلْأُمُورِ اَلنِّسَائِيَّةِ اَلْخَالِصَةِ اَلَّتِي لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهَا اَلتَّعَرُّفُ عَلَيْهَا ، وَجَعَلَتْ شَهَادَتُهَا مُقْتَرِنَةً بِأُخْرَى فِيمَا عَدَا ذَلِكَ لِمُعَادَلَةِ شَهَادَةِ اَلرَّجُلِ اَلْوَاحِدِ[62].

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اَلْمَبْحَث اَلثَّانِي

شَهَادَةَ اَلْمَرْأَةِ فِي اَلنِّكَاحِ وَأَثَرِ ذَلِكَ عَلَى عَقْدِ اَلنِّكَاحِ

تَمْهِيدٌ وَتَقْسِيمٌ :

مَنَحَتْ اَلشَّرِيعَةُ اَلْإِسْلَامِيَّةُ لِلْمَرْأَةِ اَلْأَهْلِيَّةِ كَمَا أَعْطَتْهَا لِلرَّجُلِ ، فَيُثْبِتُ لِلْمَرْأَةِ مِنْ اَلْحُقُوقِ اَلْمَالِيَّةِ مَا يَجْرِي إِثْبَاتُهُ لِلرَّجُلِ ، وَيَجِبَ عَلَيْهَا مَا يَجِبُ عَلَيْهِ ، كَمَا أَنَّ لَهَا اَلْحَقُّ فِي مُبَاشَرَةِ سَائِرَ اَلتَّصَرُّفَاتِ اَلَّتِي تَنْشَأُ عَلَيْهَا اِلْتِزَامَاتٌ وَتَوَجَّبَ عَلَيْهَا لِلْغَيْرِ حُقُوق ، مَا دَامَتْ اَلْمَرْأَةُ عَاقِلَةً وَمُمَيَّزَةً وَرَشِيدَةً ، فَالْمَرْأَةُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِكُلِّ اَلِالْتِزَامَاتِ ، كَمَا أَنَّ لَهَا إِرَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِهَا تُنْشِئُ اَلتَّصَرُّفَاتُ اَلَّتِي يُعِدُّهَا اَلشَّرْعُ وَيُقِرُّهَا[63].

وَلَقَدْ تَبْنِي اَلْمَذْهَبَ اَلْحَنَفِيَّ رَأْيًا عَلَى خِلَافِ مَا جَاءَتْ بِهِ آرَاءُ اَلْفُقَهَاءِ فِي شَأْنِ قَبُولِ شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ عَلَى عَقْدِ اَلنِّكَاحِ وَهُوَ مَا نَتَنَاوَلُهُ فِي هَذَا اَلْمَبْحَثِ مِنْ خِلَالٍ اَلْمَطْلَبَيْنِ اَلتَّالِيَيْنِ :

  • اَلْمَطْلَبُ اَلْأَوَّلُ : رَأْيُ اَلْحَنَفِيَّةِ فِي شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ عَلَى عَقْدِ اَلنِّكَاحِ وَالرَّدِّ عَلَى مُخَالِفِيهِمْ
  • اَلْمَطْلَبُ اَلثَّانِي : إِثْرَ شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ فِي عَقْدِ اَلنِّكَاحِ عِنْدَ اَلسَّادَةِ اَلْحَنَفِيَّةِ

 

 

 

 

 

 

 

اَلْمَطْلَبُ اَلْأَوَّلُ

رَأْيُ اَلْحَنَفِيَّةِ فِي شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ عَلَى عَقْدِ اَلنِّكَاحِ وَالرَّدِّ عَلَى مُخَالِفِيهِمْ

يَرَى أَصْحَابُ اَلْمَذْهَبِ اَلْحَنَفِيِّ جَوَازُ شَهَادَةِ اَلرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فِي اَلْحُقُوقِ اَلْمَدَنِيَّةِ وَمِنْهَا عَقْدُ اَلنِّكَاحِ ، جَاءَ فِي بَدَائِعِ اَلصَّنَائِعِ ” وَيَنْعَقِدُ اَلنِّكَاحُ بِحُضُورِ رَجُلِ وَاِمْرَأَتَيْنِ عِنْدَنَا “[64] .

وَجَاءَ فِي تبيين اَلْحَقَائِقِ للزيلعي ” يَشْتَرِطُ لِغَيْرِ اَلْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَمَا لَا يُطْلِعُ عَلَيْهِ اَلرِّجَالُ شَهَادَةً رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلِ وَاِمْرَأَتَيْنِ سَوَاءً كَانَ اَلْحَقُّ مَالاً أَمْ غَيْرَ مَالٍ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِنَاقِ وَالْوِكَالَةِ وَالْوِصَايَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مَا لَيْسَ بِمَالِ “[65].

وَجَاءَ فِي اَلْهِدَايَةِ لَلْمِرْغِينَانِي ” وَمَا سَوَّى ذَلِكَ مِنْ اَلْحُقُوقِ يَقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةٌ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلِ وَاِمْرَأَتَيْنِ سَوَاءً كَانَ اَلْحَقُّ مَالاً أَوْ غَيْرِ مَالِ مِثْلٍ اَلنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ ، وَالْعِنَاقُ ، وَالْعُدَّةُ ، وَالْحَوَالَةُ ، وَالْوُقُوفُ ، وَالصُّلْحُ ، وَالْوِكَالَةُ ، وَالْوَصِيَّةُ ، وَالْهِبَةُ ، وَالْإِقْرَارُ ، وَالْإِبْرَاءُ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ “[66].

وَجَاءَ فِي اَلطُّرُقِ اَلْحُكْمِيَّةِ لِابْنِ اَلْقِيَمِ ” وَيَقْضِي بِهَا عِنْدنَا فِي اَلنِّكَاحِ وَالْعِنَاقِ “[67]

 وَقَدْ سَاقُوا لِهَذَا اَلرَّأْيِ اَلْعَدِيدَ مِنْ اَلْأَدِلَّةِ اَلَّتِي نُوجِزُهَا فِيمَا يَلِي :

أَوَّلاً : مِنْ اَلْقُرْآنِ اَلْكَرِيمِ : قَوْلُهُ تَعَالَى ” وَٱسۡتَشۡهِدُوا۟ شَهِیدَیۡنِ مِن رِّجَالِكُمۡۖ فَإِن لَّمۡ یَكُونَا رَجُلَیۡنِ فَرَجُلࣱ وَٱمۡرَأَتَانِ “[68].

وَجْهُ اَلدَّلَالَةِ : قَالَ اَلْإِمَامُ اَلْكَاسَانِي ” جَعَلَ اَللَّهُ – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى – لِرَجُلِ وَاِمْرَأَتِي شَهَادَةً عَلَى اَلْإِطْلَاقِ لِأَنَّهُ – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى – جَعَلَهُمْ مِنْ اَلشُّهَدَاءِ ، وَالشَّاهِدُ اَلْمُطْلَقُ مَنْ لَهُ شَهَادَةٌ عَلَى اَلْإِطْلَاقِ ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ لَهُمْ شَهَادَةٌ فِي سَائِرِ اَلْأَحْكَامِ ، إِلَّا مَا قَيْدُ بِدَلِيلٍ “[69].

ثَانِيًا : مِنْ اَلْإِجْمَاعِ :  رُوِيَ عَنْ عَطَا أَنَّهُ قَالَ ” أَجَازَ عُمَرْ بْنْ اَلْخَطَّابْ شَهَادَةَ اَلنِّسَاءِ مَعَ اَلرِّجَالِ : فِي اَلطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ”[70] وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا أَنَّ أَمِيرْ اَلْمُؤْمِنِينْ عُمَرْ بْنْ اَلْخَطَّابْ اِرْتَضَى شَهَادَةَ اَلْمَرْأَةِ فِي اَلنِّكَاحِ وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْهُ أَنَّهُ قَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ اَلصَّحَابَةِ ، بِمَا كَانَ فِي ذَلِكَ إِجْمَاعٌ عَلَى جَوَازِ شَهَادَتِهَا فِي عَقْدِ اَلنِّكَاحِ .

ثَالِثًا : مِنْ اَلْمَعْقُولِ : إِنَّ أَهْلِيَّةَ اَلشَّهَادَةِ تَتَوَافَرُ عِنْدَ اَلْمَرْأَةِ كَمَا تَتَوَافَرُ عِنْدَ اَلرَّجُلِ لِأَنَّهَا تَبَنِّي عَلَى اَلْمُشَاهَدَةِ وَالضَّبْطِ وَالْأَدَاءِ ، فَيَحْصُلُ اَلْعَلَمُ بِالْمُشَاهَدَةِ ، وَيَحْصُلَ بِالضَّبْطِ اَلْبَقَاءَ وَالدَّوَامَ ، وَيَحْصُلَ بِالْأَدَاءِ اَلْعَلَمِ لِلْقَاضِي وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّ شَهَادَةَ اَلْمَرْأَةِ تَقْبَلُ لِلْأَخْبَارِ ، وَكَانَ اَلْأَصْلُ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ تَقْبَلُ مُطْلَقًا كَالرِّجَالِ غَيَّرَ أَنَّ اَلنَّصَّ جَاءَ بِخِلَافِ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَكْثُرْنَ مِنْ اَلْخُرُوجِ[71] ، وَكَانَ فِي مُسَاوَاةِ شَهَادَةٍ اَلْمَرْأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ اَلرَّجُلِ ذَلِكَ لِرُجْحَانِ اَلصِّدْقِ فِي جَانِبِهَا عَنْ اَلْكَذِبِ بِالْعَدَالَةِ ، كَمَا أَنَّ اَلْحُقُوقَ [72].

كَمَا أَنَّ اَلْحُقُوقَ اَلْمَدَنِيَّةَ كَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ تُثْبِتُ مَعَ وُجُودِ اَلشُّبْهَةِ ، فَالنِّكَاحُ يُثْبِتُ مَعَ اَلْهَزْلِ وَكَذَا اَلطَّلَاقُ وَالْعِنَاقُ وَأَيِّ شُبْهَةٍ أَقْوَى مِنْ اَلْهَزْلِ وَذَلِكَ بِخِلَافِ اَلْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ ، لِأَنَّهَا لَا تُثْبِتُ مَعَ اَلشُّبْهَةِ فَهَذِهِ اَلْحُقُوقُ لَا تَسْقُطُ فَتُثْبِت بِرَجُلٍ وَاِمْرَأَتَيْنِ كَالْمَالِ[73].

وَيَقُولَ اَلْقَدْوَرِي ” إِنَّ عَقْدَ اَلزَّوَاجِ يُثْبِتُ بَدَلُهُ بِشَهَادَةِ اَلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَيُثْبِتُ نَفْسُ اَلْعَقْدِ بِشَهَادَتِهِمْ كَالْبَيْعِ ، وَلِأَنَّهَا شَهَادَةٌ يُثْبِتُ بِهَا آجَالَ اَلدُّيُونِ ، فَثَبَتَ بِهَا اَلنِّكَاحُ ، كَشَهَادَةِ اَلرِّجَالِ “[74].

وَجَاءَ فِي اَلطُّرُقِ اَلْحُكْمِيَّةِ ” وَيَقْضِي بِالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فِي اَلْخُلْعِ إِذْ اِدَّعَاهُ اَلرَّجُلُ ، فَإِذَا اِدَّعَتْهُ اَلْمَرْأَةُ لَمْ يَقْبَلْ فِيهِ إِلَّا رَجُلَانِ ، وَالْفِرَقُ بَيْنَهُمَا : إِنَّهُ إِذَا كَانَ اَلْمُدَّعِي هُوَ اَلزَّوْجُ فَهُوَ مُدَّعٍ لِلْمَالِ وَهُوَ ثَبَتَ بِشَاهِدٍ وَاِمْرَأَتَيْنِ ، وَإِذَا كَانَتْ هِيَ اَلْمُدَّعِيَةُ فَهِيَ مُدَّعِيَةٌ لِفَسْخِ عَقْدِ اَلنِّكَاحِ وَتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ وَلَا يُثْبِتُ إِلَّا بِشَاهِدِينَ “[75].

 

 

 

 

اَلْمَطْلَبُ اَلثَّانِي

إِثْرَ شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ فِي عَقْدِ اَلنِّكَاحِ عِنْدَ اَلسَّادَةِ اَلْحَنَفِيَّةِ

إِنَّ اَلْأَثَرَ اَلْمُتَرَتِّبَ عَلَى جَوَازِ اَلْأَخْذِ بِشَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ فِي عَقْدِ اَلنِّكَاحِ عِنْدَ اَلسَّادَةِ اَلْحَنَفِيَّةِ هُوَ صِحَّةُ اَلزَّوَاجِ ، يَقُولَ اَلْإِمَامُ اَلْجَصَّاصْ ” اَلْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ اَلرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فِي كُلِّ دَعْوَى إِذَا قَدْ شَمِلَهُمْ اِسْمُ اَلْبَيِّنَةِ أَلَّا تَرَى أَنَّهَا بَيِّنَةٌ فِي اَلْأَمْوَالِ ، فَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهَا اَلِاسْمُ وَجَبَ بِحَقِّ اَلْعُمُومِ قَبُولَهَا لِكُلِّ مُدَّعٍ إِلَّا أَنْ تَقُومَ اَلدَّلَالَةُ عَلَى تَخْصِيصِ شَيْءِ مِنْهَا . . . فَالْبِضْعُ لَا يَسْتَحِقُّ إِلَّا بِمَالٍ وَلَا يَقَعُ اَلنِّكَاحُ إِلَّا بِمَالٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تُجِيزَ فِيهِ شَهَادَةُ اَلنِّسَاءِ “[76].

وَلَقَدْ جَاءَ مَوْقِفُ اَلسَّادَةِ اَلْحَنَفِيَّةِ مِنْ جَوَازِ شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ عَلَى عَقْدِ اَلزَّوَاجِ أَعْمَالاً لِمُبْدِي اَلتَّيْسِيرِ اَلَّذِي جَاءَتْ بِهِ اَلشَّرِيعَةُ اَلْإِسْلَامِيَّةُ ، حَيْثُ عَدُّ عَقْدِ اَلزَّوَاجِ مِنْ عُقُودِ اَلْمُعَامَلَاتِ اَلْوَاقِعَةِ بَيْنَ اَلنَّاسِ بِكَثْرَةٍ ، وَهُوَ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ اَلتَّشَدُّدِ فِي اِشْتِرَاطِ إِشْهَادِ رَجُلَيْنِ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ ، إِذْ قَدْ يَضْطَرُّ فِي بَعْضِ اَلْأَحْيَانِ اَللُّجُوءِ إِلَى اَلْمَرْأَةِ لِإِبْرَامِ اَلْعَقْدِ نَظَرًا لِعَدَمِ وُجُودِ اَلرِّجَالِ وَمِنْ ثَمَّ إِذَا لَمْ يُؤْخَذْ بِهَذَا اَلْمَبْدَأِ وَفْقَ رَأْيِ اَلسَّادَةِ اَلْحَنَفِيَّةِ ضَاعَتْ اَلْحُقُوقُ ، وَوَقَعَ اَلْأَزْوَاجُ فِي حَرِجٍ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ رَفْعُ اَلْحَرَجِ وَالتَّيْسِيرِ عَلَيْهِمَا سَبَبٌ لِجَوَازِ شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ عَلَى عَقْدِ اَلزَّوَاجِ .

كَمَا أَنَّ اَلْأَخْذَ بِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ اَلسَّادَةُ اَلْحَنَفِيَّةَ مِنْ شَأْنِهِ دَرْءَ اَلْمَفْسَدَةِ اَلَّتِي هِيَ مِنْ أُصُولِ اَلتَّشْرِيعِ اَلْإِسْلَامِيِّ ، ذَلِكَ أَنَّ تَأْخِيرَ اَلْعَقْدِ أَوْ تَوْقِيفِ إِجْرَاءَاتِ عَقْدِ اَلنِّكَاحِ لِحِينِ تَوْفِيرِ شُهُودِ مِنْ اَلرِّجَالِ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُلْحِقَ بِالزَّوْجَيْنِ أَضْرَارٍ نَهَى عَنْهَا شَرْعًا ، كَمَا أَنَّ عَقْدَ اَلنِّكَاحِ لَمْ يُعَدْ خَاصًّا بِمَا يُطْلِعُ عَلَيْهِ اَلرِّجَالُ وَحْدَهُمْ بَلْ تَعَارُفُ اَلنَّاسِ عَلَى إِجْرَاءِ عَقْدِ اَلنِّكَاحِ أَمَّا فِي اَلْمَحَاكِمِ أَوْ فِي اَلْبُيُوتِ وَبَاتَ يَشْهَدُهُ كُلٌّ مِنْ اَلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ .

” فَظَاهِرُ اَلنَّصِّ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِلنِّسَاءِ مَعَ اَلرِّجَالِ شَهَادَةً عَلَى اَلْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ ، إِلَّا مَا قَيْدُ بِدَلِيلٍ ، وَلِأَنَّ قَضِيَّةَ اَلْقِيَاسِ أَنَّ لَا تَشْتَرِطُ اَلذُّكُورَةُ وَالْأَصْلُ فِي عُمُومِ اَلشَّهَادَاتِ ، وَالْأَمْوَالُ وَالْحُقُوقُ مِمَّا ثَبَتَ بِالشُّبْهَةِ فَثَبَتَ عَلَى أَصْلِ اَلْقِيَاسِ وَاَللَّهِ – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى – أَعْلَمَ “[77].

وَيُعَدَّ اَلْأَخْذُ بِالرَّأْي اَلَّذِي تَبَنَّاهُ اَلسَّادَةُ اَلْحَنَفِيَّةَ مَدْخَلاً لِلتَّغَيُّرَاتِ اَلِاجْتِمَاعِيَّةِ اَلَّتِي تَنْسَجِمُ مَعَ اَلْفِقْهِ اَلْإِسْلَامِيِّ ، فِي شَأْنِ إِبْرَازِ مَكَانَةِ اَلْمَرْأَةِ اَلْمُسْلِمَةِ دَاخِلَ اَلْمُجْتَمَعِ وَتَمْكِينِهَا ، وَفِي اَلْأَخْذِ بِهِ تَأْكِيدًا لِلْمَنْهَجِ اَلْفِقْهِيِّ اَللَّازِمِ فِي فَهْمِ وَاسْتِنْبَاطِ اَلْحُكْمِ اَلشَّرْعِيِّ مِنْ أَدِلَّتِهَا اَلشَّرْعِيَّةِ ، قَالَ اَلْعَيْنِيُّ اَلْحَنَفِيُّ ” لَا يَشْتَرِطُ وَصْفَ اَلذُّكُورَةِ ، حَتَّى أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَاِمْرَأَتَيْنِ ، قُلْنَا : شَهَادَةُ اَلنِّسَاءِ حُجَّةً أَصْلِيَّةً بِالنَّصِّ ، لَكِنَّ فِيهَا نَوْعُ شُبْهَةٍ بِاعْتِبَارِ صُورَةِ اَلْبِدَايَةِ ، وَالزَّوَاجُ إِنَّمَا يُثْبِتُ بِالشُّبْهَةِ “[78].

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خاتمة:

لَقَدْ خَلَصْنَا مِنْ هَذِهِ اَلدِّرَاسَةِ أَنَّ اَلشَّرِيعَةَ اَلْإِسْلَامِيَّةَ قَدْ اِسْتَقَرَّتْ أَحْكَامَهَا عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ شَهَادَةً تُعَدِّلُ نِصْفَ شَهَادَةِ اَلرَّجُلِ ، فَيَتَسَاوَى اَلرَّجُلُ بِاِمْرَأَتَيْنِ عِنْدَ أَدَاءِ اَلشَّهَادَةِ وَهُوَ لَيْسَ اِنْتِقَاصًا مِنْ قَدْرِهَا وَمَكَانَتِهَا فِي اَلْمُجْتَمَعِ اَلْإِنْسَانِيِّ وَالْإِسْلَامِيِّ ، بَلْ إِنَّ اَلشَّرِيعَةَ اَلْإِسْلَامِيَّةَ جَعَلَتْ لَهَا دَوْرًا فِي وَثَائِقِ اَلْمُعَامَلَاتِ وَالدُّيُونِ اَلَّتِي تَكْتُبُهَا اَلرِّجَالُ عَلَى اَلرَّغْمِ أَنَّ هَذِهِ اَلْمُعَامَلَاتِ غَالِبًا مَا تَكْتُبُ فِي مَجَامِعِ اَلرِّجَالِ ، لِذَا جَاءَ رَأْيُ اَلسَّادَةِ اَلْحَنَفِيَّةِ فِي جَوَازِ شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ عَلَى عَقْدِ اَلنِّكَاحِ ، فِيرِي أَصْحَابَ اَلْمَذْهَبِ أَنَّ اَلشَّارِعَ قَدْ اِسْتَقَرَّ عَلَى أَنَّ اَلْأَحْكَامَ اَلْوَارِدَةَ بِصِيغَةِ اَلْمُذَكِّرِينَ فِي حَالٍ أَطْلَقَتْ وَلَمْ تَكُنْ مُقْتَرِنَةً بِالْمُؤَنَّثِ جَاءَتْ مُتَنَاوَلَهُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، لِأَنَّهُ يَغْلِبُ اَلْمُذَكَّرُ عِنْدَ اَلِاجْتِمَاعِ كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ ” فَإِنَّ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلَامَهُ اَلسُّدْسُ “[79] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى ” وَلَا يَأْبَى اَلشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دَعَوْا “[80] ، وَقَوْلُهُ ” وَاشْهَدُوا ذَوِي عَدْلِ مِنْكُمْ “[81] ،وَكَمَا أَنَّ شَهَادَةَ اَلْمَرْأَةِ فِي اَلْوَصِيَّةِ مَقْبُولَةً تَكُونُ كَذَلِكَ فِي اَلنِّكَاحِ .

وَلَقَدْ خَلَصْنَا مِنْ دِرَاسَةِ اَلْمَذْهَبِ اَلْحَنَفِيِّ فِي شَأْنِ شَهَادَةِ اَلْمَرْأَةِ عَلَى عَقْدِ اَلنِّكَاحِ ، هُوَ جَوَازُهَا وَيَصِحُّ مَعَهَا اَلْعَقْدَ ذَلِكَ أَنَّ عَدَمَ قَبُولِ شَهَادَتِهِنَّ فِي اَلنِّكَاحِ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَحَرِجٌ قَدْ يُلْحِقُ بِالزَّوْجَيْنِ ، إِذَا تَأَخَّرَ اَلْعَقْدُ لِحُضُورِ اَلرِّجَالِ ، كَمَا أَنَّ اَلْغَايَةَ وَالْقَصْدَ مِنْ شَهَادَتِهِنَّ هُوَ اَلتَّوْثِيقُ وَالْإِثْبَاتُ وَهُوَ أَمْرٌ يَتَحَقَّقُ بِشَهَادَةِ اَلْمَرْأَتَيْنِ مَعَ اَلرَّجُلِ إِذْ يَنْدَفِعُ نِسْيَانَ اَلْمَرْأَةِ بِانْضِمَامِ أُخْرَى إِلَيْهَا ، كَمَا أَنَّ شَهَادَةَ اَلْمَرْأَةِ حَسَبَمَا ذَكَرَ اَلْإِمَامُ اَلْكَاسَانِي ” اَلْأُنُوثَةُ لَيْسَتْ بِمَانِعَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَتَقَبَّلَ فِيهَا شَهَادَةُ اَلنِّسَاءِ مَعَ اَلرِّجَالِ “[82].

 

 

 

 

 

المصادر والمراجع :

  1. اِبْنْ اَلْأَثِيرْ ، اَلْمُبَارَكَ بْنْ مُحَمَّدْ اَلْجَزَرِي بْنْ اَلْأَثِيرِ مَجْدَ اَلدِّينِ أَبُو اَلسَّعَادَاتْ ( 1421 ه ) ، اَلنِّهَايَةُ فِي غَرِيبٍ اَلْحَدِيثِ وَالْأَثَرِ ، تَحْقِيقٌ : عَلِي بْنْ حَسَنْ بْنْ عَلِي بْنْ عَبْدِ اَلْحَمِيدْ اَلْحَلَبِي ، دَارَ اِبْنْ اَلْجَوْزِي .
  2. اِبْنْ حِبَّانْ ، مُحَمَّدْ بْنْ حِبَّانْ بْنْ أَحْمَدْ بْنْ حِبَّانْ أَبُو حَاتِمْ اَلتَّمِيمِي أَلْبِسَتِي اَلسِّجِسْتَانِي ( 1393 ه – 1973 م ) ، اَلثِّقَاتُ ، تَحْقِيقٌ : مُحَمَّدْ عَبْدِ اَلْمُعِيدْ خَانَ ، دَائِرَةُ اَلْمَعَارِفِ اَلْعُثْمَانِيَّةِ ، حَيْدَرْ آبَادَ .
  3. اِبْنْ حَزْمْ ، عَلِي بْنْ أَحْمَدْ بْنْ سَعِيدْ بْنْ حَزْمِ اَلْأَنْدَلُسِيِّ أَبُو مُحَمَّدْ ، اَلْمُحَلَّى بِالْآثَارِ ، تَحْقِيقٌ : عَبْدُ اَلْغَفَّارْ سُلَيْمَانْ اَلْبِنْدَارِي ، دَارُ اَلْكُتُبِ اَلْعِلْمِيَّةِ – بَيْرُوت .
  4. أبْنْ عَابِدِينْ ، مُحَمَّدْ أَمِينْ بْنْ عُمَرْ بْنْ عَبْدِ اَلْعَزِيزْ عَابِدِينْ اَلدِّمَشْقِيَّ اَلْحَنَفِيِّ ، ( 1412 ه – 1992 م ) رَدِّ اَلْمُحْتَارِ عَلَى اَلدَّرِّ اَلْمُخْتَارِ ، دَارَالْفَكَرْ ، بَيْرُوت .
  5. اِبْنْ قَيِّمْ اَلْجَوْزِيَّة ؛ مُحَمَّدْ بْنْ أَبِي بَكْرْ بْنْ أَيُّوبْ بْنْ سَعْدْ اَلزَّرْعِي اَلدِّمَشْقِيَّ ، أَبُو عَبْدِ اَللَّهْ ، شَمْسْ اَلدِّينْ ( 1428 ه ) ، اَلطُّرُقُ اَلْحُكْمِيَّةُ فِي اَلسِّيَاسَةِ اَلشَّرْعِيَّةِ ، تَحْقِيقٌ : نَايِفْ بْنْ أَحْمَدْ اَلْحَمْدِ ، مَجْمَعُ اَلْفِقْهِ اَلْإِسْلَامِيِّ بِجُدَّة .
  6. اِبْنْ مَنْظُورْ ، مُحَمَّدْ بْنْ مَكْرَمْ بْنْ عَلِي ، أَبُو اَلْفَضْلْ ، جَمَالْ اَلدِّينْ اِبْنْ مَنْظُورْ اَلْأَنْصَارِي اَلرُّوَيْفِعِىْ اَلْإِفْرِيقِيَّ ( 1414 ه ) ، لِسَانُ اَلْعَرَبِ ، دَارٌ صَادِرٍ – بَيْرُوت .
  7. اِبْنْ مَنْظُورْ ، مُحَمَّدْ بْنْ مَكْرَمْ بْنْ عَلِي اَبُوَالْفَضَلْ ، جَمَالْ اَلدِّينْ اَلْأَنْصَارِي اَلرُّوَيْفِعِي اَلْأَفْرِيقِيَّ ( 1414 ه ) لِسَانَ اَلْعَرَبِ ، دَارٌ صَادِرٍ ، بَيْرُوت .
  8. اِبْنْ نَجِيمْ ، زَيْنْ اَلدِّينْ بْنْ إِبْرَاهِيمْ بْنْ مُحَمَّدْ اَلْمَعْرُوفِ بِابْنِ نَجِيمْ اَلْمِصْرِيَّ ( بِدُونِ تَارِيخِ نَشْرٍ ) ، اَلْبَحْرُ اَلرَّائِقُ شَرْحُ كَنْزِ اَلدَّقَائِقِ ، دَارُ اَلْكِتَابِ اَلْإِسْلَامِيِّ .
  9. اِبْنْ هَمَّامْ ، كَمَالْ اَلدِّينْ مُحَمَّدْ بْنْ عَبْدِ اَلْوَاحِدْ اَلسِّيوَاسِي ثُمَّ اَلسَّكَنْدَرِيِّ اَلطَّبْعَةِ : اَلْأُولَى ، 1389 ه – 1970 م ) ، فَتْحُ اَلْقَدِيرُ عَلَى اَلْهِدَايَةِ ، دَارُ اَلْفِكْرِ ، لُبْنَان.
  10. اَبُوزْهِرَة ، مُحَمَّدْ ( بِدُونِ تَارِيخِ نَشْرٍ ) ، اَبُوحُنَيْفَهْ حَيَاتُهُ وَعَصْرُهُ وَآرَاؤُهُ اَلْفِقْهِيَّةُ ، دَارُ اَلْفِكْرِ اَلْعَرَبِيِّ – اَلْقَاهِرَةُ .
  11. اَبُوزْهِرَة ، مُحَمَّدْ ( بِدُونِ تَارِيخِ نَشْرٍ ) ، اَلْأَحْوَالُ اَلشَّخْصِيَّةُ دَارَ اَلْفِكْرِ اَلْعَرَبِيِّ – اَلْقَاهِرَةُ .
  12. اَلْأَزْهَرِيَّ ، مُحَمَّدْ بْنْ أَحْمَدْ بْنْ اَلْأَزْهَرِيِّ اَلْهَرَوِي أَبُو مَنْصُورْ ( بِدُونِ سَنَةِ نَشْرٍ ) ، تَهْذِيبُ اَللُّغَةِ ، تَحْقِيقٌ : مُحَمَّدْ عَوَضْ مُرْعِبٍ ، دَارَ إِحْيَاءَ اَلتُّرَاثِ اَلْعَرَبِيِّ – بَيْرُوت .
  13. اَلْأَلُوسِي ، مَحْمُودْ شُكْرِي اَلْأَلُوسِي اَلْبَغْدَادِيَّ شِهَابْ اَلدِّينْ ( بِدُونِ تَارِيخِ نَشْرٍ ) ، رُوحُ اَلْمَعَانِي فِي تَفْسِيرِ اَلْقُرْآنِ اَلْكَرِيمِ وَالسَّبْعِ اَلْمَثَانِي ، إِدَارَةُ اَلطِّبَاعَةِ اَلْمُنَيْرِيَّة – تَصْوِيرُ دَارِ إِحْيَاءِ اَلتُّرَاثِ.
  14. اَلْبُسْتَانِيّ ، بُطْرُسْ ( بِدُونِ تَارِيخِ نَشْرٍ ) ، مُحِيطُ اَلْمُحِيطِ قَامُوس مُطَوَّلٍ لِلُّغَةِ اَلْعَرَبِيَّةِ ، مَكْتَبَةُ لُبْنَانَ .
  15. اَلْبَيْهَقِي ؛ أَحْمَدْ بْنْ اَلْحُسَيْنْ بْنْ عَلِي ، أَبُو بَكْرْ ( 1424 ه – 2003 م ) ، اَلسُّنَنُ اَلْكُبْرَى ( سُنَنُ اَلْبَيْهَقِي اَلْكُبْرَى ) ، تَحْقِيقٌ : مُحَمَّدْ عَبْدِ اَلْقَادِرْ عَطَا ، دَارُ اَلْكُتُبِ اَلْعِلْمِيَّةِ .
  16. اَلْجُرْجَانِي ، عَلِي بْنْ مُحَمَّدْ ( بِدُونِ تَارِيخِ نَشْرٍ ) ، اَلتَّعْرِيفَاتُ ، تَحْقِيقٌ : إِبْرَاهِيمْ اَلْإَبْيَارِي ، دَارُ اَلرَّيَّانْ لِلتُّرَاثِ .
  17. اَلْجِزِيرِي ، عَبْدُ اَلرَّحْمَنْ بْنْ مُحَمَّدْ ( 1424 ه – 2003 م ) ، اَلْفِقْهُ عَلَى اَلْمَذَاهِبِ اَلْأَرْبَعَةِ ، دَارُ اَلْكُتُبِ اَلْعِلْمِيَّةِ .
  18. اَلْجَصَّاصْ ، أَحْمَدْ بْنْ عَلِي ( 1405 ه ) ، أَحْكَامُ اَلْقُرْآنِ ، تَحْقِيقُ مُحَمَّدْ صَادِقْ اَلْقَمْحَاوِي – عُضْوُ لَجْنَةِ مُرَاجَعَةِ اَلْمَصَاحِفِ بِالْأَزْهَرِ اَلشَّرِيفِ ، دَارَ إِحْيَاءَ اَلتُّرَاثِ اَلْعَرَبِيِّ ، بَيْرُوت .
  19. اَلْحَصْكَفِي ، مُحَمَّدْ بْنْ عَلِي بْنْ مُحَمَّدْ بْنْ عَلِي بْنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنْ اَلْحَنَفِيِّ ( 1423 ه – 2002 م ) ، اَلدَّرُّ اَلْمُخْتَارُ شَرْحَ تَنْوِيرِ اَلْأَبْصَارِ وَجَامِعِ اَلْبِحَارِ ، تَحْقِيقٌ : عَبْدُ اَلْمُنْعِمْ خَلِيلْ إِبْرَاهِيمْ ، دَارُ اَلْكُتُبِ اَلْعِلْمِيَّةِ .
  20. اَلْخَفِيفَ ، عَلَى ( 1429 ه – 2008 ) ، أَحْكَامُ اَلْمُعَامَلَاتِ اَلشَّرْعِيَّةِ ، دَارُ اَلْفِكْرِ اَلْعَرَبِيِّ .
  21. اَلدَّارَقُطْنِي ، عَلِي بْنْ عُمَرْ بْنْ أَحْمَدْ بْنْ مَهْدِي ، أَبُو اَلْحَسَنْ اَلدَّارَقُطْنِي اَلشَّافِعِي ( 1422 ه – 2001 م ) ، سُنَنُ اَلدَّارَقُطْنِي ، تَحْقِيقٌ : عَادِلْ أَحْمَدْ عَبْدِ اَلْمَوْجُودْ – عَلِي مُحَمَّدْ مُعَوَّضْ ، دَارُ اَلْمَعْرِفَةِ .
  22. اَلرَّازِي ، زَيْنْ اَلدِّينْ أَبُو عَبْدِ اَللَّهْ مُحَمَّدْ بْنْ أَبِي بَكْرْ بْنْ عَبْدِ اَلْقَادِرْ اَلْحَنَفِيِّ ( 1420 ه – 1999 م ) ، مُخْتَار اَلصِّحَاحْ ، تَحْقِيقٌ : يُوسُفْ اَلشَّيْخِ مُحَمَّدْ ، اَلْمَكْتَبَةُ اَلْعَصْرِيَّةُ – اَلدَّارُ اَلنَّمُوذَجِيَّةُ ، بَيْرُوت – صَيْدًا .
  23. اَلرُّحَيْبَانِي ، مُصْطَفَى بْنْ سَعْدْ اِبْنُ عَبْدُهْ ( 1381 ه – 1961 م ) ، مُطَالَب أَوَّلِيٍّ اَلنُّهَى فِي شَرْحِ غَايَةِ اَلْمُنْتَهَى وَتَجْرِيدِ اَلزَّوَائِدِ اَلْغَايَةِ وَالشَّرْحِ ، اَلْمَكْتَبُ اَلْإِسْلَامِيُّ .
  24. اَلزُّحِيلِي ، مُحَمَّدْ ( 2008 م ) ، حُقُوقُ اَلْإِنْسَانِ فِي اَلْإِسْلَامِ ، دَارَ اِبْنْ كُثَيِّرْ ، دِمَشْق .
  25. اَلزَّرْقَا ، مُصْطَفَى أَحْمَدْ ( 1425 ه – 2004 م ) ، اَلْمَدْخَلُ اَلْفِقْهِيُّ اَلْعَامُّ ، دَارُ اَلْقَلَمِ ، دِمَشْق ، سُورْيَا .
  26. اَلزِّنْدَانِيّ ، عَبْدُ اَلْمَجِيدْ ( 2000 م ) ، اَلْمَرْأَةُ وَحُقُوقُهَا اَلسِّيَاسِيَّةُ فِي اَلْإِسْلَامِ ، مُؤَسَّسَةُ اَلرَّيَّانْ لِلطِّبَاعَةِ وَالنَّشْرِ ، لُبْنَان .
  27. اَلزَّيْعَلِي ، اَلشِّبْلِي ، عُثْمَانْ بْنْ عَلِي اَلزَّيْلَعِي فَخْرْ اَلدِّينْ – أَحْمَدْ اَلشَّلَبِيّ شِهَابْ اَلدِّينْ ( 1314 ه ) ، تَبْيِينُ اَلْحَقَائِقِ شَرْحَ كَنْزِ اَلدَّقَائِقِ وَبِهَامِشِهِ حَاشِيَةُ اَلشَّلَبِيّ ، اَلْمَطْبَعَةُ اَلْأَمِيرِيَّةُ اَلْكُبْرَى بِبُولَاقِ ، مِصْر .
  28. اَلسَّرْخَسِي ، شَمْسْ اَلدِّينْ ( 1409 ه – 1989 م ) ، اَلْمَبْسُوطَ ، دَارُ اَلْمَعْرِفَةِ – بَيْرُوت .
  29. اَلسَّمَرْقَنْدِي ؛ مُحَمَّدْ بْنْ أَحْمَدْ بْنْ أَبِي أَحْمَدْ ، أَبُو بَكْرْ عَلَاءْ اَلدِّينْ اَلسَّمَرْقَنْدِي ( 1405 ه – 1984 م ) ، تُحْفَةُ اَلْفُقَهَاءِ ، دَارُ اَلْكُتُبِ اَلْعِلْمِيَّةِ .
  30. اَلطَّحَاوِي ، أَحْمَدْ بْنْ مُحَمَّدْ بْنْ سَلَامَةِ اَلطَّحَاوِي أَبُو جَعْفَرْ ( 1414 ه – 1994 م ) ، شَرْحُ مَعَانِي اَلْآثَارِ ، تَحْقِيقٌ : مُحَمَّدْ زَهْرِيّ اَلنَّجَّارْ – مُحَمَّدْ سَيِّدْ جَادْ اَلْحَقْ – يُوسُفْ عَبْدُ اَلرَّحْمَنْ اَلْمُرَعْشَلْ ، عَالَمُ اَلْكُتُبِ .
  31. اَلْفَارَابِي ، إِسْمَاعِيلْ بْنْ حَمَّادْ اَلْجُوهَرِي أَبُو نَصْرْ ( بِدُونِ تَارِيخِ نَشْرٍ ) ، اَلصِّحَاحْ تَاجُ اَللُّغَةِ وَصِحَاح اَلْعَرَبِيَّة ، دَارُ اَلْعِلْمِ لِلْمَلَايِينِ ، بَيْرُوت .
  32. اَلْفَيُّومِي ، أَحْمَدْ بْنْ مُحَمَّدْ بْنْ عَلِي ( بِدُونِ تَارِيخِ نَشْرٍ ) ، اَلْمِصْبَاحُ اَلْمُنِيرُ فِي غَرِيبٍ اَلشَّرْحِ اَلْكَبِيرِ ، تَحْقِيقٌ : د . عَبْدُ اَلْعَظِيمْ اَلشِّنَّاوِي ، دَارُ اَلْمَعَارِفِ – اَلْقَاهِرَةِ .
  33. اَلْقَدْوَرِي ، أَحْمَدْ بْنْ مُحَمَّدْ بْنْ أَحْمَدْ بْنْ جَعْفَرْ بْنْ حَمْدَانْ أَبُو اَلْحُسَيْنْ اَلْقَدْوَرِي ( 1418 ه – 1997 م ) ، مُخْتَصَرَ اَلْقَدْوَرِي فِي اَلْفِقْهِ اَلْحَنَفِيِّ ، تَحْقِيقٌ : كَامِل مُحَمَّدْ مُحَمَّدْ عُوَيْضَة ، دَارُ اَلْكُتُبِ اَلْعِلْمِيَّةِ .
  34. اَلْقُونَوِي ، قَاسِمْ بْنْ عَبْدِ اَللَّهْ ( 1424 ه – 2004 م ) ، أَنِيسْ اَلْفُقَهَاءِ فِي تَعْرِيفَاتِ اَلْأَلْفَاظِ اَلْمُتَدَاوَلَةِ بَيْنَ اَلْفُقَهَاءِ ، تَحْقِيقٌ : يَحْيَى حَسَنْ مُرَادٍ ، دَارُ اَلْكُتُبِ اَلْعِلْمِيَّةِ ، لُبْنَان .
  35. a. اَلْكَاسَانِي ، أَبُو بَكْرْ بْنْ مَسْعُودْ اَلْكَاسَانِي اَلْحَنَفِيَّ عَلَاءْ اَلدِّينْ ( 1424 ه – 2003 م ) ، بَدَائِعَ اَلصَّنَائِعِ فِي تَرْتِيبِ اَلشَّرَائِعِ ، تَحْقِيقٌ : عَلِي مُحَمَّدْ مُعَوَّضْ – عَادِلْ أَحْمَدْ عَبْدِ اَلْمَوْجُودْ ، دَارُ اَلْكُتُبِ اَلْعِلْمِيَّةِ .
  36. اَلْمَرْغِينَانِي ، عَلِي بْنْ أَبِي بَكْرْ اَلْمَرْغِينَانِي بُرْهَانْ اَلدِّينْ أَبُو اَلْحَسَنْ ( 1417 ه ) ، اَلْهِدَايَةُ شَرَحَ بِدَايَةِ اَلْمُبْتَدَأِ مَعَ شَرْحِ اَلْعَلَّامَةِ عَبْدَ اَلْحَيْ اَللَّكْنَوِي ، تَحْقِيقٌ : نَعِيمٌ أَشْرَفَ نُورْ مُحَمَّدْ ، إِدَارَةُ اَلْقُرْآنِ وَالْعُلُومِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ – بَاكِسْتَان .
  37. اَلْمُطَرَّزِي ، نَاصِرْ بْنْ عَبْدِ اَلسَّيِّدْ أَبِي اَلْمَكَارِمَ اِبْنْ عَلِي ، أَبِي اَلْفَتْحْ ( بِدُونِ طَبْعَةِ وَدُونَ تَارِيخٍ ) ، بُرْهَانْ اَلدِّينْ اَلْخَوَارِزْمِي ، اَلْمَغْرِبُ فِي تَرْتِيبِ اَلْمُعَرَّبِ ، دَارُ اَلْكِتَابِ اَلْعَرَبِيِّ ، لُبْنَان .
  38. اَلْمَوْصِلِي ، عَبْدُ اَللَّهْ بْنْ مَحْمُودْ بْنْ مَوْدُودْ اَلْمَوْصِلِي اَلْحَنَفِيَّ ( 1430 ه – 2009 م ) ، اَلِاخْتِيَارُ لِتَعْلِيلِ اَلْمُخْتَارِ ، تَحْقِيقٌ : اَلشَّيْخُ شُعَيْبْ اَلْأَرْنَؤُوطْ ، دَارُ اَلرِّسَالَةِ اَلْعَالَمِيَّةِ ، اَلْقَاهِرَةُ .
  39. اَلْمَيْدَانِيَّ ، عَبْدُ اَلْغَنِي اَلْغُنَيْمِي اَلدِّمَشْقِيَّ اَلْمَيْدَانِيِّ اَلْحَنَفِيِّ ( بِدُونِ تَارِيخِ نَشْرٍ ) ، اَللُّبَابُ فِي شَرْحِ اَلْكِتَابِ ، تَحْقِيقٌ : مُحَمَّدْ مُحْيِي اَلدِّينْ عَبْدَ اَلْحَمِيدْ ، اَلْمَكْتَبَةُ اَلْعِلْمِيَّةُ – بَيْرُوت .
  40. بَغْدَادِيّ ، مُصْطَفَى إِسْمَاعِيلْ ( 1411 ه ، 1991 م . ) ، حُقُوقُ اَلْمَرْأَةِ اَلْمُسْلِمَةِ فِي اَلْمُجْتَمَعِ اَلْإِسْلَامِيِّ ، مَكْتَبَةُ اَلْمَلِكِ فَهْدِ اَلْوَطَنِيَّةِ ، اَلْمَمْلَكَةُ اَلْعَرَبِيَّةُ اَلسُّعُودِيَّةُ .
  41. حَسَنْ اَلْبَنَّا ( 1408 ه ، 1988 م ) ، اَلْمَرْأَةُ اَلْمُسْلِمَةُ ، دَارُ اَلْجِيلِ ، بَيْرُوت .
  42. عَبْدَالحِّمِّيدْ ، مُحَمَّدْ مُحْيِي اَلدِّينْ ( 1942 م ) ، اَلْأَحْوَالُ اَلشَّخْصِيَّةُ فِي اَلشَّرِيعَةِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ ، اَلْمَكْتَبَةُ اَلتِّجَارِيَّةُ اَلْكُبْرَى ، مِصْر .
  43. مِرْزَا ، نُورُ نُوَّابٍ نَنِي ( 1405 ه ) ، مُشْكِلَاتُ اَلْمَرْأَةِ اَلْمُسْلِمَةِ اَلْمُعَاصِرَةِ وَحَلِّهَا فِي ضَوْءِ اَلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، رِسَالَةُ دُكْتُورَاهَ ، جَامِعَةُ أُمِّ اَلْقُرَى ، كُلِّيَّةُ اَلشَّرِيعَةِ وَالدِّرَاسَاتِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ ، مَكَّة ، اَلْمَمْلَكَةُ اَلْعَرَبِيَّةُ اَلسُّعُودِيَّةُ .

[1] سورة البقرة الآية : 282.

[2] بن عابدين  ، الدر المختار ، مصطفي الحلبي ،  3/3

[3] الفيومي ، أحمد بن محمد بن علي ، المصباح المنير ، مادة عقد.

[4] سورة البقرة الآية : 235.

[5] ابن همام ، محمد ، فتح القدير على الهداية ، 3/100

[6] الخفيف ، على ، أحكام المعاملات الشرعية ، ص 185-186 .

[7]  القونوي ، قاسم بن عبد الله ، أنيس الفقهاء ، ص 50 ، الجرجاني ، علي بن محمد ، التعريفات ، ص246.

[8] الأزهري ، محمد بن أحمد ، تهذيب اللغة ، 4/64  ،  الرازي ، زين الدين أبو عبد الله ، مختار الصحاح ، 1/ 413 . ابن منظور ، محمد بن مكرم ، لسان العرب ، 2/625 .

[9] المُطَرِّزِىّ ، ناصر بن عبد السيد ، المغرب في ترتيب المعرب ، مادة نكح.

[10] الموصلي ، عبد الله بن محمود ، الاختيار لتعليل المختار 3/81 .

[11] الميداني ، عبد الغني ، اللباب في شرح الكتاب 3/3 .، الحصكفي ، محمد بن ، الدر المختار 1/177.

[12] الزرقا ،  مصطفى أحمد ، المدخل الفقهي العام، 1/563..

[13] سورة الصافات الآية : 22

[14] ابن منظور ، لسان العرب ، 2/293.

[15] الجزيري عبد الرحمن بن محمد ، الفقه على المذاهب الأربعة ، 4/8

[16] ابوزهرة ، الأحوال الشخصية ، ص 19 ، عبدالحميد ، محمد محي الدين ، الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية ، ص 10

[17] ابن منظور ، لسان العرب ، 15/407. ، الفارابي ، أبو نصر إسماعيل ، الصحاح ، 6/2530.

[18] ابن الأثير ، مجد الدين أبو السعادات ، النهاية في غريب الحديث والأثر 5/227.

[19] البستاني ،  ، محيط المحيط ، باب الواو  2/2287

[20] سورة البقرة : الآية  257.

[21] سورة الرعد: الآية  11.

[22] الجرجاني علي بن محمد ، التعريفات ، ص 254 ، ابن نجيم ،  ، البحر الرائق ، 3/117.

[23] السرخي ، شمس الدين ، المبسوط ، 5/2. ، الكاساني ، علاء الدين بن مسعود ، بدائع الصنائع 2/247  ، السمر قندي ، علاء الدين ، تحفة الفقهاء 2/149 .

[24] مصطفي الزرقا ، المدخل الفقهي العام ، مرجع سابق ، ص 843

[25] ابن نجيم ، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ،3/117.

[26] الكاساني ، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، 2/247 . ،  ابن عابدين ، حاشية رد المحتار، 3/55.

[27] سورة البقرة الآية: 231

[28] سورة البقرة الآية :230

[29] الجصاص ، أحمد بن علي ، أحكام القران ، 2/100 . ، الألوسي ، شهاب الدين محمود ،  روح المعاني ،1/535 .

[30] سورة الأحزاب  الآية : 51

[31] الكاساني ، بدائع الصنائع ، 2/248..

[32] مالك ،  الموطأ ، رقم 1914 ، 3/ 749 ، مسلم ، رقم 1421 ،  1/641.

[33] بن همام ، فتح القدير ، 3/259. ابن نجيم ، البحر الرائق 3/117 . .

[34] المسند : رقم 26572 ،44/269 ، النسائي ، رقم 5374 ، 5/ 179 .

[35]  الطحاوي ، ، شرح معاني الآثار حققه 3/11.

[36] الموصلي ، الاختيار ، 3/95.

[37] نقل عن الائمة الاربعة ان هذا الحديث لم يخرجه احد من الجماعة ، غير انه معمول لديهم في حق المرأة البالغة : العيني ، البناية ،5/93 .

[38] ابن فارس ، 3/221.

[39] الرازي ، ص 169.

[40] سورة المائدة : الآية 106.

[41] مجمع اللغة العربية ، المعجم الوسيط ، 1/497.

[42] ابن نجيم ، ص56.

[43] ابن عابدين ، 5/ 641.

[44] الجرجاني ، 129

[45] ابن همام ، شرح فتح القدير ، 6/446

[46] سورة البقرة : الآية 282.

[47] سورة الطلاق : الآية 2.

[48] صحيح البخاري ، رقم 2515 ،3/143

[49] البيهقي ، 13/349.

[50] سنن الدار قطني ، تحت رقم :3596 ، 3597 ، 3598 ، 3599 ، 4/356

[51] مصطفي بن سعد ابن عبده، مطالب أولي النهي ، 6/591.

[52] ابن القيم، الطرق الحكمية ، ص128، 136، 137.

[53] البيهقي، السنن الكبري ، 7/464.

[54] زفر بن الهذيل بن قيس العنبري ، ابن حبان ، الثقات ، 6/339.

[55] ابن حزم ، المحلي ، 9/396.

[56] الزحيلي ، حقوق الانسان في الاسلام ، ص 216.

[57] حسن البنا، المرأة المسلمة ، ص7.

[58] آل عمران الاية 35-36.

[59] القصص 23-26.

[60] الزنداني ، المراة وحقوقها السياسية في الاسلام ،ص20.

[61] مرزا، مشكلات المرأة المسلمة المعاصرة، ص42.

[62] مصطفي إسماعيل بغدادي ، حقوق المرأة المسلمة في المجتمع الإسلامي ، ص 133.

[63] محمد ابوزهرة ، ابوحنيفه حياته وعصره وآراؤه الفقهية ، ص 345.

[64] الكاساني ، بدائع الصنائع ، 2/255 .

[65]الزيعلي ،  تبيين الحقائق ، 4/209

[66] المرغيناني، الهداية شرح بداية المبتدي، 3/116.

[67] ابن القيم الجوزيه ، الطرق الحكمية ، 151

[68] سورة البقرة الاية 282.

[69] الكاساني ، بدائع الصنائع، 6/280.

[70] ابن حزم الأندلسي،  المحلى بالآثار ، 8/480

[71] المرغيناني، الهداية شرح بداية المبتدي، 3/116.

[72] الكاساني ، بدائع الصنائع ،6/280.

[73] الزيعلي ،  تبيين الحقائق ، 4/209

[74] القدوري ، مختصر القدوري في الفقه الحنفي ، 9/4373

[75] ابن القيم الجوزيه ، الطرق الحكمية ، 151

[76] الجصاص ، احكام القران ، 2/232.

[77] الكاساني ، بدائع الصنائع ، 6/282.

[78] العيني الحنفي ،

[79] سورة النساء الاية : 11

[80] سورة البقرة الاية 282.

[81] سورة الطلاق ، الاية 2

[82] الكاساني ، بدائع الصنائع ، 6/279.